Saturday 7 June 2008

الدين يسر، والحجاب مشقة، والسفور مصلحة!!0



-ربيع أول-1423 هـ:: 27-مايو-2002

لها أون لاين
لا شك ـ أخيّتي ـ أن الشارع الكريم لا يقصد إعناتك أو تكليفك ما لا تطيقه نفسك حين شرع لك الحجاب ستراً عن الأجانب وحفظاً لعفتك، فكل ما ثبت أنه تكليف منه للعباد فهو داخل في مقدورهم وطاقتهم، والدليل على ذلك قوله تعالى : {يريد الله بكم اليسر ولا يرد بكم العسر}.
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالحنيفية السمحة"، ومن ذلك أيضاً ما رواه البخاري: "ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه".
قال الشاطبي رحمه الله :"إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع".
فدعوى أن إباحة السفور مصلحة معتبرة نظراً لمشقة التزام الحجاب، خصوصاً في البلاد التي شاع فيها التبرج والانحلال، وحتى لا يرمى الإسلام بالتشدد والمسلمون بالتطرف، دعوى غير صحيحة، ولإثبات بطلانها لابد من إيضاح أمرين:
أحدهما: لابد أن نعلم أن المصلحة لا تكون صحيحة ومن ثمَّ معتبرة، حتى تنضبط بضوابط شرعية، وهي:
أولاً: اندراجها في مقاصد الشريعة، وهي: (حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال)، فكل ما يحفظ هذه الأمور فهو مصلحة، وكل ما يفوتها أو يفوت بعضها فهو مفسدة.
الأمر الثاني:عدم مخالفتها لأدلة الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة والقياس الصحيح؛ وذلك لأن معرفة مقاصد الشريعة إنما تتم استناداً إلى الأحكام الشرعية المنبثقة من أدلتها التفصيلية، والأدلة كلها راجعة إلى الكتاب والسنة والإجماع والقياس، فلو عارضت المصلحة هذه الأدلة لاستلزم ذلك أن يعارض المدلول دليله وهو باطل.
الثالث: عدم تفويتها لمصلحة أهم منها، أو مساوية لها.
وإذا أحسنا تطبيق هذه الضوابط على مسألتنا لن نشك أن هذه المصلحة الموهومة غير معتبرة لمنافاتها هذه الضوابط، إذ إن الحجاب إنما شرع لحفظ النسل والأعراض من الاختلاط، وكذلك فقد توافرت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الحجاب وأهميته، ولا شك في أن الأخذ بهذه الدعوى واعتبارها مصلحة تفوت مصلحة الحجاب التي هي أهم منها وأولى.
ثانياً: أما مشقة التزام الحجاب وكون التقيد به يسبب بعض العنت لمن تلبسه، فهذه المشقة مشقة معتادة مألوفة وهي مما تستطيع المسلمة ـ والحمد لله ـ تحملها دون إلحاق ضرر بها، ولذا فهذه المشقة غير مرفوعة، بل هي لا تنفك عن عموم العبادة غالباً؛ لأن كل عمل في الحياة لا يخلو من مشقة، ولذلك كان معنى التكليف هو طلب ما فيه كلفة ومشقة، إذاً فهذه المشقة محتملة تتلاءم مع طاقة الإنسان العادية، قال تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}.
قال ابن القيم: "وإن كانت المشقة مشقة تعب، فمصالح الدنيا والآخرة منوطة بالتعب، ولا راحة لمن لا تعب له، بل على قدر التعب تكون الراحة".
وهذه المشقة وإن كانت سبباً للثواب والأجر، إلا أنها ليست المقصود أصلاً للشارع من الأفعال التي كلفنا بها، وإنما المقصود هو المصالح المترتبة عليها.


المصدر

No comments: