Saturday 7 June 2008

ضمانات حقوق المرأة الزوجية




لها أون لاين
إن كثرة الحديث عن حقوق المرأة السياسة والاجتماعية والزوجية - مستقلة حيناًً أو ضمن مفهوم الأسرة أحياناً أخرى - محفز طبيعي للحراك العلمي والفكري لدى المختصين، ذلك أن تلك المفاهيم لم تعد مجرد شعارات فكرية أو ثقافية، بل أضحى الشأن في "العالم الإسلامي الكبير" الذي تتوالى عليه معاول التغير من الداخل والخارج، نوع من التغيير الرسمي في أعلى مستوياته التشريعية والقانونية على مستوى الدول، فبتنا نرى "مدونة الأسرة"، و"قانون الخلع"، وغيرها من مفردات قوانين" الأحوال الشخصية" ولكل نصيب بين تجديد وتغيير وتغريب.
ومن الحِكَم المأثورة عن بعض العلماء قولهم: (أول التجديد قتل الماضي بحثاً!)، وإنما الذي نحن بحاجته كمسلمين اليوم كما يعبر بعض العلماء هو: بعث الثقافة الفقهية: أي بعث المفهومات والمصطلحات الضرورية في العلم، وتجديد تداولها؛ ذلك أن دروس معاني المصطلحات الفقهية وضياعها، هو مما يسبب غاية الاختلال في الفهم، والانحراف في التطبيق؛ مما قد ينتج غلواً في الدين، وخروجاً عن مقاصده الشرعية؛ فتنزل أحكامه على غير منازلها!
ويأتي بحث د. محمد يعقوب محمد الدهلوي، المحكم، والصادر عن عمادة البحث العلمي في الجامعة الإسلامية، بالمملكة العربية السعودية، نموذجاً قيماً على التأسيس لمصطلح "ضمانات حقوق المرأة الزوجية"، والتي هي: الأحكام الشرعية التي شُرعت لحفظ وصيانة حقوق المرأة الزوجية، وإيصالها إليها. فهي أحكام بمثابة الأوامر الشرعية المساندة، لتتمكن بها المرأة من الحصول على حقوقها الزوجية، وينتفي بها وقع الظلم عليها.
ومن سمات بحثه العزيزة، أنه بدأ بالنظر - كما نص على ذلك [ ص:15 ]- في كل موضوع ومسألة، من غير تصور سابق للحكم، وشرع في البحث عن الأحكام في كتاب الله وسنة رسوله e وأقوال السلف الصالح، ثم أقوال العلماء المعاصرين، فإن كانت المسألة خلافية، أختار من هذه الأقوال ما هو أقرب إلى الكتاب والسنة فرجحهُ؛ لقربه من الصواب في نظره.
قسم البحث إلى مقدمة بين فيها أهمية الموضوع، ومدخل عرف فيه بالضمانات لغة واصطلاحاً، وفصلين: الأول في الضمانات العامة لحقوق المرأة الزوجية، وفيه ستة مباحث، والفصل الثاني في الضمانات الخاصة لحقوق زوجية معينة، وفيه أحد عشر مبحثاً، أما الخاتمة فقد ذكر فيها ملخص البحث على هيئة مواد؛ ليسهل على القارئ غير المختص فهم الأحكام الواردة فيه، والاستفادة من مكنوناته، دون الحاجة إلى الغوص في أعماق الخلافات الفقهية.
والكتاب مليء بالضوابط الفقهية، المجموعة بعناية وتنقيح في فقه الأسرة، وهذا الإثراء الفقهي المعرفي، ثمرة للبحث العلمي الموضوعي، ويمكن أن نجمل مضامين الضمانات كما يلي:
• إن الشريعة الإسلامية ضمنت للمرأة كامل حقوقها، ومنها حقوقا الزوجية، وذلك بالأمر بصيانتها، وإيصالها إليها، ومنع الاعتداء عليها.
• إن من ضمانات حقوق المرأة الزوجية، ما ثبت وجوبه لها بنصوص وأوامر شرعية، وعد الله بالثواب لمن أداها، وتوعد بالعقاب من هضمها، أو اعتدى عليها.
• مما ضمنت به الشريعة الإسلامية للمرأة حقوقها: أنها منعت التنازل عن الحقوق التي يكون في التنازل عنها ضرر مادي أو معنوي عليها، أو مخالفة شرعية في التنازل عنها.
• من الضمانات لحقوق المرأة: أن تنازلها عن الحقوق لابد وأن يكون برضاها، وقد أبطلت الشريعة كل تصرف لها بالتنازل عن حقوقها إذا أشتمل على إكراه أو غرر.
• لا اعتبار لتنازل المرأة عن حقوقها إذا كان ذلك قبل وجود سببه، ولا اعتبار له قبل وجوبه؛ لأن تنازلها حينئذ لا يكون عن بصيرة بعواقب الأمور، فإن تنازلت عنه قبلُ، جاز لها أن ترجع عن تنازلها، وتطالب بحقها إن شاءت، وفي ذلك ضمان لحقوقها.
• إن في الشريعة الإسلامية ضماناً لحقوق المرأة وصيانة لكرامتها، حرمت من الأنكحة التي اشتملت على ضرر مادي أو معنوي عليها، والتي كانت معروفة في الجاهلية.
• إن نكاح المتعة، والنكاح المؤقت، حرام وباطل باتفاق المسلمين من أهل السنة؛ لما يشتمل عليه هذا النوع من النكاح من هضم لحقوق المرأة وابتذال لها، ومنافاة لمقاصد الشريعة من النكاح، من ديمومته، ووجود الذرية، واستحقاق المرأة للميراث، ونحو ذلك من الأمور التي جعل الله النكاح من أجلها.
• إن نكاح الشغار محرم في الشريعة الإسلامية؛ لما يشتمل عليه من ظلم حق المرأة في المهر، وما قد ينشأ عنه من خلاف قد يؤدي إلى إنهاء العلاقة الزوجية.
• إن المحلل والمحلل له ملعونان، ولا تحل المرأة لزوجها الأول بالتحليل، وإن نكاح التحليل يشتمل على أبشع صورة من صور امتهان كرامة المرأة، وجعلها مبتذلة.. فكان حراماً.
• حرمت الشريعة الإسلامية ـ ضماناً لحقوق المرأة ـ تصرفات الزوج الضارة بالمرأة، والتي كانت سائدة في الجاهيلة، بقصد الإضرار بالزوجة، وإظهاراً لبغض الزوجة، كالظهار والإيلاء.
• من ضمانات حقوق المرأة الخاصة: أن الشريعة الإسلامية منعت ولي المرأة أن يعضلها، فيمنعها من الزواج مطلقاً، أو ممن تريده، لو كانت من أهل الاختيار، إن أرادت أن تتزوج من كفء؛ لأن عضلها ظلم لها وهضم لحق أساسي من حقوقها.
• أن الولي لو عضلها، أو غاب عنها، فإن الشريعة ضمنت حقها في الزواج بإسقاط ولايته بسبب العضل أو الغيبة، وتنتقل ولايتها إلى الولي الأبعد.
• إن الشريعة ضمنت للمرأة حقوقاً زائدة على ما أوجبتها الشريعة لها، وذلك بإعطائها الحق في أن تشترط من الحقوق المادية والمعنوية التي ترى فيها مصلحتها، ولا تكون منافية للشرع، ولا مناقضة لمقتضى العقد، فتجب لها تلك الحقوق بالاشتراط، ويجب على الزوج الوفاء بها.
• لا يجوز إكراه المرأة على الزواج بمن لا ترغب فيه، وضمانا لهذا الحق جعلت الشريعة الإسلامية للمرأة أن تطلب فسخ ذلك النكاح.
• ضمنت الشريعة حق المرأة في المهر، فمنعت لذلك نفي المهر في عقد النكاح، وفرضت مهر المثل عند التفويض، كما جعلت لها الحق في منع تسليم نفسها حتى تقبض مهرها المعجل.
• من مقاصد الشريعة الإسلامية: استمرار الحياة الزوجية، وفي ذلك مصلحة الزوجين، وقد ضمنت الشريعة هذه المصلحة بجعل أمر الطلاق بيد الرجل؛ لكونه أحكم في التمسك بعصمة النكاح.
• قد تخشى المرأة عدم تمكنها من الحصول على مقصدها المشروع كاملة من الزواج، أو تخشى ظلم زوجها لها، أو تقصيره في أدائه حقوقها، فلها أن تشترط أن يكون أمر الطلاق في بيدها، فإن رأت أن مصلحتها في الفراق، كان فراقها بيدها، فأوقعت الفرقة، وفي ذلك ضمان لها من احتمال وقوع الظلم عليها.
• إن من حقوق المرأة أن لا يصيبها ضرر من قبل الزوج بعقد النكاح، وقد ضمنت الشريعة الإسلامية هذا الحق بتخييرها طلب التفريق لو أصابها ضرر مادي أو معنوي من قبل الزوج.
• ضماناً لحق المرأة في نفي الضرر، جعلت الشريعة لها طلب التفريق لإصابة زوجها بأمراض معدية كالجذام، أو مخلة بأداء واجب الزوجية كالعنة، أو منفرة كالبرص ونحوه.
• إذا تضررت المرأة بفراق زوجها لفقده، أو غيبته غيبة منقطعة، أو حبسه، أو وقوعه في الأسر، فإن الشريعة الإسلامية أباحت لها طلب التفريق، إذا تحققت الشروط المعتبرة في مثل تلك الحالات ضمانا لرفع الضرر المادي والنفسي عنها.
• إذا أعسر الزوج بنفقة زوجته، أو امتنع عن الإنفاق عليها، مع كونه موسراً، فإن الشريعة ضمنت للمرأة حقها في النفقة بإجباره على النفقة، أو جعل الخيار لها بطلب فسخ النكاح، إذا تحققت القيود المعتبرة في ذلك.
• قد يمنع المرأة مانع نفسي من الاستمرار في الحياة الزوجية، ودون أن يكون ثمة مبرر مادي يوجب ذلك من قِبل الزوج، ففي هذه الحالة أجازت الشريعة لها طلب الخلع مراعاة لحالتها النفسية؛ وذلك مقابل وردها ما أخذته من وزوجها، وفي ذلك ضمان لها بعدم الاستمرار في الاضطهاد النفسي.
• إن من أهم مصالح المرأة الزوجية: أن تستمر الحياة الزوجية، ولا تنقطع، وضماناً لهذه المصلحة أمرت الشريعة ببعث حكم من أهله وحكم من أهلها، في حالة نشوب خلاف بينهما وبين زوجها للإصلاح بينهما.
• وآخر ما ذكر من الضمانات: أن الشريعة الإسلامية ضمنت حق المرأة في ميراث زوجها، إذا أراد أن يحرمها حقها في الميراث ظلماً، فطلقها في مرض موته، وذلك بإعطائها ميراث مطلقها لو مات وهي في عدتها، أو مات وقد خرجت من عدتها، ما لم تتزوج.


المصدر

No comments: