Friday 13 June 2008

زوبـعــــة موســــــــى


لم تأت "اعترافات قاتل شقيقته" لموسى برهومة في "حياتنا" أول من أمس بأي جديد أو غير متوقع أو حتى صادم لما هو مألوف في وعينا الجمعي حول واقعة باتت عادية إلى حد القهر تتمثل في قيام شقيق بدم "فاير" بقتل شقيقته بداعي "صيانة" الشرف.

ولم يكن مستهجناً أن يمكث القاتل في رعاية الحكومة التي تحتضنه إلى كنفها ثلاث سنوات حكومية تصبح وفق التقويم الشمسي أشهرا معدودات يقضيها محفوفا بالعذر "العار" الذي رفض نوابنا حتى اللحظة كل محاولات المخلصين الحريصين على قيمة الحياة لإلغائه من قاموسنا.

هذا العذر وصمة عار كبرى في تشريعاتنا، وليس أكثر من رخصة للقتل!!. اسمه الاستهلاكي "العذر المخفف للجريمة" وهو يبيح للقاتل قتل إحدى محارمه أو زوجته تحت فورة الغضب الشديد إذا أحس أن كرامته وشرفه عرضة للتهديد على اعتبار أن المرأة ملكية بحتة!

ويضاف إلى المأساة زهو الأهل الذين أسقطوا حقهم الشخصي وتخلصوا من راية العار السوداء معلقين راية العز المغسولة بدماء ضحية أخرى تبذل فداء للهباء، فيما الدجال الذي قادتها والدتها إليه كذبيحة مايزال على رأس عمله ولربما بصدد تخليص ساذجات جدد من شياطين تسكن في أجسادهن بالطريقة ذاتها حيث الاستباحة والاغتصاب للوعي والانتهاك للروح قبل الجسد.

هذا الدجال يمضي مطمئنا إلى سير العدالة وفق مجرى شديد الاعوجاج لا يرضي الله ولا يرضي الخلق ويفضي إلى ضحية جديدة يتم الاقتصاص منها والإجهاز عليها وإزهاق روحها كونها أسهل الأهداف التي لا يؤدي قتلها إلا إلى إرباك إجرائي طفيف، رغم أنها نفس هي الأخرى حرم الله قتلها كذلك ليخرج بعدها مواصلا حياته بطلا مغوارا رافعا اسم العائلة إلى العلا مقتحما المجد من أوسع أبوابه متزوجا منجبا للمفارقة البحتة ابنتين.

هاتان البنتان ستحييان برعب دائم لاضطرارهما العيش في حمى أب يحمل درجة ليس لها أي علاقة بمرتبة الشرف لا من قريب ولا من بعيد. وستبقيان ممنوعتين من السؤال عن العمة التي قضت برصاص والدهما حيث يصار في مثل هذه الحالات إلى اغتيال آخر يؤدي إلى شطب الضحية بالكامل من ذاكرة العائلة إلى ألف جد بل وينهر الصغار إذا ما أتوا على ذكرها متسائلين أين اختفت تلك الصبية الثلاثينية التي كانت على قدر من الجمال وكان القاتل يحن عليها ويخصها بالرعاية ويتعاطف معها لأنها لم تحظ بزوج؟!

السرد القصصي والحبكة الدرامية التي اعتمدها الزميل موسى برهومة في مقالته ذات العنوان شديد الإثارة المستفز للفضول المشروع ربما ساعدت في التعرف إلى نفسيات القتلة وطريقة تعاطيهم مع الفعل الإجرامي، ما أثار زوبعة عاتية من الردود. ولاقت مقالة موسى تفاعلا غير مسبوق من جمهور القراء وذلك على موقع "الغد" وموقع "عمون" على حد سواء. المفرح في الأمر أن غالبية ردود أفعال سواء كان أصحابها رجالا أو نساءً كانت في منطقة التنديد والشجب عالي الوتيرة للظاهرة ولبطل حكاية موسى، غير أن الأمر لم يخل من بعض المبررين كي لا نقول المباركين للجريمة وهذا واقع مفزع لأن ردود الأفعال هذه تصدر عن أشخاص يفكون الحرف ويطالعون الصحف والمواقع الالكترونية، ومع ذلك ما انفكوا يعيشون في منطقة الظلام الدامس الذي يرى القتل مبررا في بعض الأحيان.

المحزن في قصة موسى أنها لم تكشف، باستثناء انحياز الكاتب، عن حالة ندم وتأنيب ضمير للقاتل ولم تتحدث عن كوابيس أو زيارة إلى القبر المهجور أو دروس وعبر استفادها القاتل أو حتى نصيحة لوجه الله يخص بها الشبان المندفعين بضرورة إحكام العقل والمنطق قبل استلال السكاكين والمسدسات.

والسؤال الذي لم تحصل على إجابة عنه أثناء حوارك أيها الزميل: لماذا لم يصدق القاتل أن شقيقته ليست مذنبة يستدعي سؤالا آخر: ماذا لو كانت الراحلة مذنبة حقا وأنها تهورت في علاقة غير مشروعة وحملت سفاحا في لحظة غير محسوبة ولم تغتصب كما حدث في حكايتك وحكايات كثيرة مثلها؟ هل يعطي ذلك الحق لأحد باستثناء القانون أن يأخذ مجراه ويقرر العقوبة وفق ملابسات الحالة؟ ولماذا لا تستفيد الضحية في حالة كهذه من العذر المخفف: الزنا تحت تأثير الوهم أو الضلالة أو حتى الحب "الأهبل" الذي يدفع المرأة أحيانا نحو خيارات ليست صحيحة لا ينبغي أن تصل بها في جميع الأحوال حد إزهاق الروح.

قصتك موجعة حد البكاء، غير أنها ليست مدهشة بل إنها تبعث على القهر لفرط
التكرار!



egales_60@yahoo.com
بسمة النسور

No comments: