Tuesday 10 June 2008

القرضاوي: الإسلام أنصف المرأة بنتاً وزوجة وأمًّا




الشارقة – القرضاوي.نت / 23-8-2006
شدد العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على أن من واجب المسلمين في عصر العولمة أن يجتهدوا لإبراز الموقف الحقيقي للإسلام من حقوق ومشكلات المرأة، ذلك الموقف الذي ينصف المرأة، ويقف بجانبها ويحررها من ظلم الجاهليات المختلفة.
وأوضح الدكتور القرضاوي، في حوار مع صحيفة "الخليج" الإماراتية في 18-8-2006، أن هذه الجاهليات تشمل على حد سواء جاهلية عصر التخلف والتراجع الحضاري عند المسلمين أو جاهلية القرن العشرين الوافدة من الغرب، التي تريد أن تخرج المرأة من فطرتها أو تسلخها من جلدها، وأن تجعل منها رجلا أو كالرجل، وأن تبيح لها كل شيء، وأن تجعلها تتمرد على الزوجية والأمومة، وعلى الأنوثة، وتحرضها على التبرج والعري، والتمرد على الأسرة وأعبائها.
ولفت إلى أن الإسلام الصحيح يتبنى موقفاً غير موقف هؤلاء وهؤلاء، وهو موقف مستمد من الفهم المتوازن للإسلام من ينابيعه الصافية، وهو موقف يعطي المرأة حقها، كما يعطي الرجل حقه، كما يطالب كلا منهما بواجبه، ولا يعتبر أن هناك صراعا بينهما، وفيما يلي النص الكامل للحوار:
واجبنا في عصر العولمة أن نكشف عن الموقف الحقيقي لديننا من حقوق ومشكلات المرأة، ذلك الموقف الذي ينصف المرأة، ويقف بجانبها ويحررها من ظلم الجاهليات المختلفة، سواء كانت جاهلية عصر التخلف والتراجع الحضاري عند المسلمين، حين حبسوها في البيت، وحرموا عليها أن تذهب إلى المسجد، أو المدرسة أو الكتاب، وزوجوها بغير إذنها، وحرموها في كثير من البلاد من ميراثها، وأشاعوا حولها أحاديث مكذوبة مثل: "شاوروهن وخالفوهن" ومثل "لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة". أو كانت جاهلية القرن العشرين الوافدة من الغرب، التي تريد أن تخرج المرأة من فطرتها أو تسلخها من جلدها، وأن تجعل منها رجلا أو كالرجل، وأن تبيح لها كل شيء، وأن تجعلها تتمرد على الزوجية والأمومة، وعلى الأنوثة، وتحرضها على التبرج والعري، والتمرد على الأسرة وأعبائها، والاكتفاء بزواج النساء بالنساء... إلخ.
بهذه المقدمة يبدأ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي حديثه عن تكريم الإسلام للمرأة، ويضيف: إن الإسلام الصحيح يتبنى موقفاً غير موقف هؤلاء وهؤلاء، وهو موقف مستمد من الفهم المتوازن للإسلام من ينابيعه الصافية، من كتاب الإسلام، ومن سنة نبي الإسلام، ومن هدي صحابة الرسول الكرام، وهو موقف يعطي المرأة حقها، كما يعطي الرجل حقه، كما يطالب كلا منهما بواجبه، ولا يعتبر أن هناك صراعا بينهما.
وأين يأتي الصراع؟ فالمرأة هي أم الرجل، وهي ابنته، وهي زوجته، وهي أخته، وهي عمته وخالته، فلماذا يفترض الناس خصومة أو معركة بينهما؟!
إن هذه الخصومة بعيدة كل البعد عن العقيدة الإسلامية وعن الشريعة الإسلامية وعن الحضارة الإسلامية، ربما كان ذلك في نحل أو فلسفات أخرى تنظر إلى المرأة نظرة فيها توجس أو ريبة.
شقائق الرجال
ويمضي الدكتور القرضاوي قائلاً: لقد جاء الإسلام وبعض الناس ينكرون إنسانية المرأة وآخرون يرتابون فيها وغيرهم يعترف بإنسانيتها، ولكن يعتبرونها مخلوقا خلق لخدمة لرجل.
فكان من فضل الإسلام أنه كرم المرأة، وأكد إنسانيتها وأهليتها للتكليف والمسئولية والجزاء ودخول الجنة، واعتبرها إنسانا كريما له كل ما للرجل من حقوق إنسانية؛ لأنهما فرعان من شجرة واحدة، وأخوان ولدهما أب واحد هو آدم، وأم واحدة هي حواء.
فهما متساويان في أصل النشأة، متساويان في الخصائص الإنسانية العامة، متساويان في التكليف والمسئولية متساويان في الجزاء والمصير.
وفي ذلك يقول القرآن: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}.
كما قال في آية أخرى: {وجعل منها زوجها ليسكن إليها} وبث من هذه الأسرة الواحدة رجالا كثيرا ونساء، كلهم عباد لرب واحد، وأولاد لأب واحد وأم واحدة فالأخوة تجمعهم.
ولهذا أمرت الآية الناس بتقوى الله ربهم- ورعاية الرحم الواشجة بينهم: {واتقوا الله الذي تساءلون به الأرحام}.
فالرجل بهذا النص أخو المرأة، والمرأة شقيقة الرجل، وفي هذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما النساء شقائق الرجال".
المساواة في التكليف
وفي مساواة للرجل في التكليف والتدين والعبادة، يقول القرآن: "إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما".
وفي التكاليف الدينية والاجتماعية الأساسية يسوي القرآن بين الجنسين بقوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله}.
وفي مساواة المرأة للرجل في الجزاء ودخول الجنة يقول الله تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض}.
فنص القرآن في صراحة على أن الأعمال لا تضيع عند الله، سواء كان العامل ذكرا أو أنثى، فالجميع بعضهم من بعض، من طينة واحدة، وطبيعة واحدة. الرجل من المرأة، والمرأة من الرجل، هو يكملها، وهي تكمله، لا يستغني عنها، ولا تستغني عنه، وهو معنى (بعضكم من بعض).
وعن الحقوق المالية للمرأة يقول الدكتور القرضاوي، أبطل الإسلام ما كان عليه كثير من الأمم عربا وعجما من حرمان النساء من التملك والميراث، أو التضييق عليهن في التصرف في ما يملكن، واستبداد الأزواج بأموال المتزوجات منهن، فأثبت لهن حق الملك بأنواعه وفروعه، وحق التصرف بأنواعه المشروعة. فشرع الوصية والإرث لهن كالرجال، وأعطاهن حق البيع والشراء والإجارة والهبة والإعارة والوقف والصدقة والكفالة والحوالة والرهن.. وغير ذلك من العقود والأعمال.
ويتبع ذلك حقوق الدفاع عن مالها كالدفاع عن نفسها بالتقاضي وغيره من الأعمال المشروعة، كما جعل للمرأة حق طلب العلم كالرجل، بل الواقع أنه اعتبر طلب العلم فريضة عليها. كما جاء في الحديث: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" والمراد: كل إنسان مسلم، رجلا كان أو امرأة، وهذا بالإجماع.
وكذلك للمرأة حق صلاة الجماعة في المسجد، فهي مطالبة بالفرائض والعبادات كما يطالب الرجل: الصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر أركان الإسلام، وهي مثابة عليها كما يثاب الرجل، وهي معاقبة على تركها كما يعاقب الرجل، وهي مطالبة بالواجبات الاجتماعية كما يطالب الرجل، في قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}.
حماية البنات
ويتطرق الدكتور القرضاوي إلى حماية الإسلام للبنات فيقول: لقد كرم الإسلام المرأة وأنصفها إنسانا كما كرمها وأنصفها بنتا، فاعتبرها هبة من الله ولم يعتبرها شؤما، ولا نكبة كما كان يفعل العرب في الجاهلية: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به}.
ويكفي أن الإسلام حمى البنت من (الوأد) الذي حرمه أشد التحريم، واعتبره من كبائر الآثم، كما قال تعالى: {وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت}.
بل اعتبر القرآن البنت هبة ونعمة من الله تعالى {لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور}.
ولم يجعل الإسلام لأبيها الحق في أن يزوجها بغير رضاها، بل لا بد من استئذانها فيمن تتزوجه، وموافقتها عليه، ولو بالسكوت، إن منعها الحياء من الكلام.
حقوق الزوجة
وكما كرم الإسلام المرأة وأنصفها بنتا: كرمها وأنصفها زوجة، وجعل لها من الحقوق على الزوج مثل ما عليها من الواجبات له، كما قال تعالى: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة" أي أن الحقوق والواجبات متكافئات بين الطرفين، ولكن عبء الرجال أكبر، لما عليهم من القيام بمسئولية القوامة على الأسرة. كما قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}.
وهذه القوامة على الأسرة لا تعني استبداد الرجل بالمرأة، واعتبار الزوجة كما مهملا، ولا يشاورها في أمر، ولا يشركها في شيء، فهذا ينافي أمر المؤمنين عامة بالتعاون على البر والتقوى ووصف مجتمعهم بقوله: {وأمرهم شورى بينهم}.
وقد اعتبر القرآن الكريم الزوجة آية من آيات الله في كونه، مثل خلق السموات والأرض، وأقامها على دعائم ثلاث: السكون النفسي، والمودة (أي عاطفة المحبة والرحمة)، قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}.
ويحرص الإسلام على أن تستمر الحياة الزوجية في هدوء وسكينة، وألا يعكر صفوها شيء، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه فقد جرت سنة الله أن يحدث الاختلاف، قد شرع الإسلام علاج الخلاف بوسائل شتى، ولكن إذا لم تجد هذه الوسائل، فآخر الدواء الكي، وليس هناك إلا الطلاق عند تعذر الوفاق ولا يفرض الإسلام على الزوجين أن يعيشا تحت سقف واحد، وبينهما من الكراهية ما بينهما.
وكرم الإسلام المرأة كذلك وأنصفها أما، وأكد الوصية بها، حتى أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بها ثلاث مرات، وبالأب مرة واحدة. "سئل عليه الصلاة والسلام، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك". متفق عليه.
وإنما أكد الوصية بها؛ لأنها هي التي تعبت أبلغ التعب، وعانت شديد المعاناة في سبيل الحمل والوحم والولادة والإرضاع والرعاية والتربية، كما قال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين}.
وشاع عند المسلمين أن الجنة تحت أقدام الأمهات، وقد أخذوا ذلك من حديث الصحابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن في الجهاد، فقال له: هل لك أم؟ قال: نعم، قال: "الزمها، فإن الجنة عند رجلها".
وظائف اجتماعية
ويختتم الدكتور القرضاوي حديثه عن تكريم الإسلام للمرأة بتسليط الضوء على دورها الاجتماعي فيقول: كرم الإسلام المرأة كذلك وأنصفها عضوا في المجتمع، فهي مكلفة بالوظائف الاجتماعية، التي كلف بها الرجل، وعلى رأسها وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي بها يحافظ المجتمع المسلم على هويته ومقوماته وخصائصه، وهي وظيفة مشتركة بين الجنسين بصريح القرآن: قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون على المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله}.
إن الإسلام بهذه الأحكام والتعاليم قد أنصف المرأة وأنصف الرجل، وجندهما ليعملا في طاعة الله تعالى، وفي خدمة المجتمع الصالح، وتكوين الأسرة الصالحة التي تقوم على الأمومة الحانية، والأبوة الراعية، والأخوة المشفقة والقرابة الواصلة، والتي يؤدي كل فرد فيها واجبه، قبل أن يطالب بحقه. همه أن يقول: ماذا عليّ؟ قبل أن يقول: ماذا لي؟. على خلاف مجتمع الحضارة الغربية الذي غلبت عليه المادة والنفعية حيث تربي الناس على طلب الحقوق قبل أداء الواجبات.
لا يتصور في شريعة الإسلام أن تظلم المرأة لحساب الرجل؛ لأن الذي أنزل هذه الشريعة وأوحى بها إلى خاتم رسله، ليس رجلا، ولكنه رب الرجال والنساء جميعا، الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى، والذي شرع لهما ما يصلحهما ويرقى بهما دينا ودنيا.






المصدر

No comments: