Saturday 7 June 2008

افتراءات الغرب على المرأة المسلمة




د. فوزية العشماوي
يعتقد الأمريكيون ومثلهم في ذلك كمثل الأوربيين أنهم من أرقى الدول والحضارات في العالم وأن المرأة في بلادهم قد حصلت على كامل حقوقها كإنسانه أسوة بالرجل وأنهم حققوا المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة. وفي نفس الوقت يعتقدون أن الدول العربية والإسلامية لا تقوم بتطبيق حقوق الإنسان على المرأة المسلمة وأن هناك فرقا شاسعا بين المرأة والرجل في الإسلام بل أنهم ذهبوا إلى حد القول أن المرأة في الإسلام تساوي نصف رجل لأنها تحصل على نصف مقدار ميراث الرجل ولأن شهادة امرأتين تساوي شهادة رجل واحد.
ومن هذا المنطلق وضعوا معايير لقياس مدى تقدم الدول ورقيها فأصبح احترام حقوق المرأة في أية دولة يعتبر معيارا لقياس تقدم ورقي هذه الدولة وكلما ازداد احترام الدولة للمرأة ولحقوقها ولمساواتها بالرجل في الدستور وأمام القانون وكلما ارتفعت نسبة تعليم المرأة ونسبة تواجدها في سوق العمل وفي البرلمان وفي الحكومة كلما ازداد احترام العالم لتلك الدولة وتم اعتبارها من الدول الراقية المتقدمة.
وهكذا يمكننا أن نستنتج مما سبق مدى ارتباط احترام حقوق الإنسان باحترام حقوق المرأة في أية دولة ولا يمكن القول بأن أية دولة تقوم بتطبيق حقوق الإنسان وبأنها دولة قانون طالما أن المرأة لا تحصل فيها على حقوقها في التعليم وفي العمل وعلى حقوقها السياسية وعلى حقوقها في المساواة مع الرجل فيما يتعلق بفرص العمل وبالمساواة في الترقي في السلم الوظيفي والاضطلاع بمسئوليات إدارية عليا وبمناصب حكومية ومقاعد في البرلمان وفي مجالس الحكم المحلي وفي مجال القضاء وسن القوانين واتخاذ القرار السياسي.
ومما لاشك فيه أن الإسلام يعتبر أول الأديان السماوية التي اعترفت بالمرأة كأنسنا كامل الأهلية ومنحتها المساواة بالرجل في الكرامة الانسانية وفي كونها خلقت مثله من نفس البوتقة البشرية "يائيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها..." (النساء، 1)، كما أكرم الله المرأة في الخطاب القرآني وفضلها على بقية المخلوقات مثلها مثل الرجل و بنفس الدرجة حيث جاء في الآية الكريمة "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقاهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا" (الإسراء، 70) وقد استخدم العلي القدير في هذه الآية الكريمة مصطلح بني آدم أي سلالة آدم كلها من الرجال و النساء أي الإنسان سواء أكان ذكرا أم أنثى. وهذا التكريم المشترك المتساوي للمرأة بالرجل لم تعرفه اليهودية ولا المسيحية. كذلك نود التأكيد على أن الإسلام منح المرأة حقوقا متساوية للرجل في أداء الشعائر الدينية ولم يحرم على المرأة دخول أماكن العبادة (المساجد) مثلما تحرم المرأة اليهودية من دخول السيناجوج (المعبد اليهودي) كذلك لم يحرم الإسلام على المرأة مسك المصحف الشريف وتلاوة القرآن (إلا إذا كانت المرأة في فترة الحيض أو النفاس)، مثلما حرمت اليهودية على المرأة الإمساك بالتوراة وتلاوتها في جميع الأوقات حيث تعتبر المرأة في اليهودية مدنسة ولايحق لها أن تدخل المعبد أو تمسك التوراة حتى لا تدنسهما.
وسوف نتناول في هذا البحث الافتراءات على المرأة المسلمة أي كل ما دخل أو تم إدخاله على مكانة المرأة المسلمة سواء في المنظور الإسلامي للمرأة في مجتمعات الدول العربية والإسلامية من تأثير البيئة أو الثقافة أو العادات والتقاليد المتوارثة والتي لا علاقة لها بالإسلام، وكذلك الافتراءات على المرأة المسلمة في المنظور الغربي للمرأة المسلمة في المجتمعات الغربية غير المسلمة سواء في وسائل الإعلام أو في كتابات المفكرين الغربيين وفي ذهن الغربيين عامة على مر العصور.
الافتراءات الغربية على المرأة المسلمة
طبقا للمنظور الغربي غير الإسلامي فأن الإسلام لا يعطي للمرأة المساواة مع الرجل بل يعتبر مكانة المرأة في الإسلام أدنى من مكانة الرجل، ويبرر المستشرقون هذه الادعاء بأن الخطاب القرآني يقرر أن الرجل أفضل من المرأة ويستشهدون على ذلك بالآية الكريمة "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم..."(النساء، 34). ولكنهم نسوا أو تناسوا أن القوامة لا تعني السيادة ولا الأفضلية ولا السيطرة ولا الهيمنة على المرأة ولكن تعني درجة أعلى في القيادة وليس معنى القوامة الانفراد بالرأي والسيطرة وإلا لما أقر الإسلام مبدأ الشورى وحث عليه في جميع أمور الحياة بما في ذلك أمور أدارة الأسرة التي يشترك في إدارتها الزوج والزوجة حسبما جاء في الحديث الشريف "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته...". فالقوامة إذن معناها أن لكل من الرجل والمرأة درجة في سلم القيادة ودرجة الرجل هي أعلى درجة في السلم لأنه مثل ربان السفينة هو الذي يقودها ويوجهها ولا يمكن أن يكون لأية سفينة منذ قديم الأجل وحتى زماننا هذا قائدان في نفس الوقت وإلا غرقت السفينة.
كما يردد الغربيون أن المرأة في الإسلام مضطهدة ولا تتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل المسلم، وان الإسلام يحرم المرأة المسلمة من حق العلم وحق العمل وهذا الافتراء مردود عليه بأن الإسلام أقر حق المرأة في التعليم والعمل خارج البيت فقد حث الرسول الكريم المسلمين على طلب العلم "طلب العلم فريضة على كل مسلمّ." وكلمة مسلم هنا اسم جنس أي أنها تشمل الرجل والمرأة والأطفال. وينقل لنا التاريخ الإسلامي أن كثير من كبار العلماء والفقهاء تلقوا العلم على يد النساء وتنقل لنا كتب السيرة أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت مرجعا من أهم مراجع السيرة النبوية الشريفة وكانت فقيهة تراجع الرواة والقراء والفقهاء، وقد كرمها الرسول (صلى الله عليه وسلم) بحديثه الشريف "خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء". كما تنقل لنا كتب التاريخ الإسلامي أن حفصة بنت عمر بن الخطاب وزوج الرسول كانت خطيبة فصيحة وراوية للحديث وقد حافظت السيدة حفصة على الصحائف المكتوب عليها سور القرآن الكريم والتي كانت في حوزتها حتى سلمتها للخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه فتم نسخها في أول مصحف في التاريخ وتم توزيعه على الأمصار، ويرجع إليها فضل الحفاظ على تلك الصحائف فلولا قوة إيمانها واحترامها وتقديرها للعلم ولقيمة هذه الأوراق لما حافظت عليها بكل هذه العناية.
كما أن الإسلام لم يمنع الإسلام المرأة من ممارسة العمل خارج بيتها فهذه أسماء بنت أبي بكر تباشر العمل في أرض زوجها الزبير بن العوام وتقول: "فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء... وكنت أنقل النوى من أرض الزبير على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ.. فلقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال". وهذه الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس اشتغلت بتعليم القراءة والكتابة وكانت معلمة حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين وتميزت بالحكمة ورجاحة العقل حتى أن الخليفة عمر بن الخطاب ولاها ولاية الحسبة أي وزارة التجارة والأسواق، والأوزان والمعاملات، فكانت تراقب وتحاسب وتفصل بين التجار وأهل السوق من الرجال والنساء. وتعتبر الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس أول امرأة تتقلد منصب وزيرة في الأمة الإسلامية.
ومن الافتراءات المنتشرة في الغرب أن الإسلام يعتبر المرأة قاصرا لذا فهو يعتبرها نصف رجل فلا تحصل إلا على نصف نصيب الرجل في الميراث وتعتبر شهادتها نصف شهادة الرجل ونحن نرد عليهم بأن طبقا للإسلام تأخذ المرأة نصيبها من الميراث تطبيقا لما جاء في الآية الكريمة" "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون" (النساء، 7) وهذه الآية الكريمة تكفل للمرأة نصيبها في الميراث دون أن تحدد كمية هذا الميراث أما الآية التالية فإنها تحدد كمية هذا النصيب في الميراث "للذكر مثل حظ الانثيين" (الآية 11، النساء). ونصيب المرأة في الميراث من حقها وحدها ولها مطلق الحرية في إنفاقه أو عدم إنفاقه، فمن حقها أن تحتفظ به دون الإنفاق منه ويلزم الرجل سواء أكان زوجها أو أخوها أو ابنها بالإنفاق عليها. وفي كثير من حالات الميراث يكون نصيب المرأة في الميراث معادلا لنصيب الرجل بل أحيانا يفوق نصيب المرأة في الميراث نصيب الرجل. ومن أمثلة تعادل نصيب المرأة والرجل في الميراث حالة رجل يتوفى وليس له سوى ابنة وحيدة ويترك شقيق له من الأب ففي هذه الحالة يكون نصيب الابنة الوحيدة "نصف ما ترك" ويتبقى لشقيق الأب النصف الآخر، أي أن المرأة الابنة في هذه الحالة حصلت على ميراث مثل نصيب الرجل (عمها) فهي حصلت على نصف التركة وهو حصل على نصف التركة فهنا المرأة والرجل متساويان تماما في الميراث. كما أن هناك حالات تحصل فيها المرأة أحيانا على ضعف نصيب الرجل مثلا في حالة وفاة رجل له ابنة وحيدة وله شقيقان من الأب، ففي هذه الحالة تحصل الابنة على نصف التركة ويحصل كل واحد من أعمامها على ربع التركة وبذلك يكون نصيب المرأة في هذه الحالة ضعف نصيب الرجل في الميراث. وهناك أمثلة كثيرة ومتعددة فيجب تعريف ذلك والتأكيد على أن المقولة المنتشرة في الغرب بأن ميراث المرأة المسلمة نصف ميراث الرجل دائما إنما هي افتراء وبهتان على الإسلام.
أما الافتراء الذي يدعي إن المرأة تعتبر نصف رجل لأن شهادتها نصف شهادة الرجل فمردود عليه بأن شهادة المرأة جاء ذكرها في آية واحدة فقط في القرآن الكريم وهي الآية الخاصة بكتابة وتدوين الديون المالية "واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل أحداهما فتذكر أحداهما الأخرى". (سورة البقرة، 282). والحقيقة أن هذه الآية إنما تتحدث عن الإشهاد وليس عن الشهادة، وقد توصل كثير من الفقهاء إلى هذه الحقيقة وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم والإمام الأكبر الشيخ شلتوت الذي كتب يقول في تفسير هذه الآية: "أن قول الله سبحانه وتعالى فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ليس واردا في مقام الشهادة التي يقضي بها القاضي ويحكم، وإنما هو في مقام الإرشاد إلى طرق الاستيثاق والاطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل". إما الشهادة في جميع مجالات الشهادة الأخرى مثل الشهادة في حالة الزنا أو في حالة اللعان أو في حالة الميراث فلم يذكر القرآن الكريم أبدا جنس الشهود. وقد خلص المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة إلى خلاصة مستنيرة في قضية شهادة المرأة في كتابه "التحرير الإسلامي للمرأة" حيث يقول :"..على أن المرأة كالرجل في هذه الشهادة على بلاغ الشريعة ورواية السنة النبوية فالمرأة كالرجل في رواية الحديث التي هي شهادة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -... فكيف تقبل الشهادة من المرأة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تقبل على واحد من الناس؟"
ومن الافتراءات الخبيثة على المرأة المسلمة في المجتمعات الأوروبية الادعاء بأن الإسلام يعطي للرجل المسلم حق شراء زوجته حيث يدفع لها مهرا أي ثمن حبسها في البيت وتحجيبها ثم ينفق عليها طوال مدة الزوجية فيصبح من حقه أن يحبسها ويضربها ثم يطلقها بلا أي سبب حين يشاء ويطردها من بيت الزوجية ويحرمها من حضانة أولادها. والغربيون يصدقون هذا الافتراء بل نجدهم يرددون ذلك في بعض المؤتمرات الدولية. لذا يجب على المسلمين أن يقوموا بالرد على هذه الافتراءات والتأكيد على أن الإسلام أعفى المرأة من الإنفاق على الأسرة وجعل الرجل يتكفل بذلك فهو مسئول عن الإنفاق على نساء الأسرة وهو ملزم بذلك أمام القانون الوضعي في معظم الدول الإسلامية مهما كانت ثروة المرأة ومقدرتها المادية.
وهذا يقودنا إلى التأكيد على أن الإسلام منح المرأة استقلالية الذمة المالية وذلك قبل كل الحضارات والأديان الأخرى. فالديانة اليهودية مثلا تعتبر أن المرأة وكل ما تملكه ملكا لزوجها يتصرف هو في مالها بحرية وليس لها الحق في مراجعته. وكان هذا هو حال المرأة الغربية في أوروبا منذ القرون الوسطى وحتى نهاية القرن التاسع عشر، بينما المرأة المسلمة تمتعت بحق استقلالية الذمة المالية منذ ظهور الإسلام الذي كفل لها حق البيع والشراء وإبرام العقود دون أي تدخل من أي رجل سواء أكان أبا أو أخا أو زوجا أو ابنا.
أما الافتراء الأكثر انتشارا في الغرب فمفاده أن المرأة المسلمة محبوسة في بيتها وممنوعة من ممارسة حقوقها الاجتماعية وحقوقها السياسية فهذه الافتراءات ربما كانت مطبقة في بعض المجتمعات الإسلامية المنغلقة على نفسها ولكن ذلك يرجع إلى البيئة والى العادات والتقاليد العتيقة المتوارثة في تلك المجتمعات وليس منبعها الدين الإسلامي حيث أن الإسلام أقر حقوق المرأة الاجتماعية كما أقر حقوقها السياسية. لقد منح الإسلام المرأة حق المشاركة في الشئون الاجتماعية للمجتمع الإسلامي مثلما جاء في الآية الكريمة التي تؤكد على أن رأي المرأة لا يقل عن رأي الرجل وأنها تشترك معه في الأمر والنهي في المجتمع الإسلامي"المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله..."(التوبة، الآية 71). وفي هذه الآية الكريمة تأكيد على أن المرأة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر تماما مثلما يفعل الرجل بين الناس جميعا رجال ونساء وليس فقط فيما يختص بأمور النساء والأطفال ولكن في كل الأمور المتعلقة بالدين والحياة والمجتمع والناس بدون أية تفرقة بينها وبين الرجل، ولذلك استخدم القرآن الكريم صيغة الجمع المؤمنون والمؤمنات ولم يستخدم صيغة المفرد الذكر والأنثى. وكل هذه المعالم لشخصية المرأة المسلمة يلخصها لنا الحديث النبوي الشريف "النساء شقائق الرجال" والشقيق هو الأخ من الأب الذي يتساوى معك في جميع الحقوق.
أما بالنسبة لما نطلق عليه حاليا مصطلح الحقوق السياسية أي حق المواطن في أيه دولة في اختيار الحاكم والإدلاء بصوته لصالحه، فان الإسلام قد كفل تلك الحقوق للرجل وللمرأة على حد سواء. وهذا ما فعلته النساء عندما بايعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الرجال تحت الشجرة. والمبايعة أو البيعة معناها اختيار الحاكم بالانتخاب والتصويت طبقا لمصطلحاتنا الحديثة، فكتب السيرة تنقل لنا أن النساء المسلمات اشتركن في بيعتي العقبة الأولى والعقبة الثانية طبقا لما ذكرته الصحابية الجليلة أميمه بنت رقيقة حيث قالت "جئت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نسوة نبايعه فقال لنا: فيما استطعتن وأطقتن". وهذه المشاركة النسائية في البيعة للرسول الكريم تعتبر إقرارا لحقوق المرأة السياسية طبقا لمصطلحاتنا اليوم إذ أن بيعة العقبة تعتبر عقد تأسيس الدولة الإسلامية الأولى في يثرب.
وهناك افتراء آخر شديد الانتشار ومفاده أن المرأة المسلمة ليس لها رأي في مسألة زواجها واختيار شريك حياتها وان رجال أسرتها سواء أبيها أو أخيها أو عمها هم الذين يختارون لها زوجها ويفرضونه عليها، وتلك مقولة ظالمة الإسلام برئ منها وان كانت بعض المجتمعات القبلية لا تزال أسيرة لمثل هذه التقاليد البالية التي لا تمت للإسلام بصلة حيث أن الإسلام منح المرأة حق اختيار زوجها ويكون عقد الزواج باطلا بدون موافقتها. فقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، والبكر حتى تستأذن"، فقالت السيدة عائشة "يا رسول الله، البكر تستحي، قال:" رضاها صمتها". وروى البخاري عن امرأة تدعى خنساء بنت خدام الأنصارية زوجها أبوها من رجل بدون رضاها، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشكت إليه أمرها، فرد نكاحه. وعن عبد الله بن عباس قال " جاءت فتاة بكر إلى رسول الله فشكت أن أباها زوجها من رجل وهي كارهة له فخيرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بين قبوله أو رفضه.
ونضيف إلى ذلك حق احتفاظ المرأة المسلمة باسمها الذي كفله الإسلام لها فهي تحتفظ باسمها واسم أبيها وعائلتها ولا ينمحي اسمها بالزواج من رجل حتى وان كان هذا الرجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فالتاريخ الإسلامي يذكر لنا النساء بأسمائهن وليس بأسماء أزواجهن هذه خديجة بنت خويلد وهذه عائشة بنت أبي بكر وهذه حفصة بن عمر ابن الخطاب لم يذكرهن أحد أبدا باسم زوجهن الرسول الكريم لم يذكرهن أحد أبدا باسم حرم محمد بن عبد الله. والاحتفاظ بالاسم إنما هو أكبر دليل على مساواة الإسلام للمرأة بالرجل فهي كائن مستقل مثلها مثل الرجل وليس مثل المرأة الأوروبية والأمريكية التي كانت حتى سنوات قليلة تفقد هويتها بالزواج وينمحي اسمها واسم عائلتها وتأخذ اسم زوجها وعائلته.
ومن بين الافتراءات الغربية المسيئة للمرأة المسلمة المقولة بأن الإسلام لا يمنح المرأة حق الطلاق وان الرجل هو الذي يقرر الطلاق بمفرده وحسب مزاجه وأن المرأة المسلمة لا تستطيع المطالبة بالطلاق. والحقيقة خلاف ذلك لأن المرأة المسلمة من حقها الطلاق والانفصال عن زوجها إذا رغبت في ذلك بسبب عدم استطاعته الإنجاب أو بسبب مرضه بمرض عضال لا شفاء منه أو بسبب عجزه الجنسي. فالإسلام يعطيها الحق في الطلاق مع الاحتفاظ بكل حقوقها المالية المترتبة عن الطلاق. وكذلك منح الإسلام المرأة حق الطلاق لعدم تلاءم الطباع أو لأي سبب آخر فالقرآن ينهي عن عدم طلاق الزوجة والاحتفاظ بها للإضرار بها خاصة إذا كانت ترغب الطلاق كما جاء في الآية الكريمة "... فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرار لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه..." (البقرة، 231). كذلك أقر الإسلام حق المرأة في الطلاق على أن تفدي نفسها وتقوم بتعويض الزوج عن خسارته المادية الناجمة عن طلاقها بناء على رغبتها طبقا للآية الكريمة "فان خفتم إلا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به..." (البقرة، 229). وهذا الطلاق بناء على رغبة الزوجة يسمى "الخلع "وهو موجود ومتعارف عليه منذ عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثلما حدث مع الصحابية التي استشارت الرسول في طلب طلاقها من زوجها لأنها لا تطيقه أي لا تحبه رغم انه إنسان كريم وكان هذا الزوج قد منحها حديقة كمهر وصداق فاشترط عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - مقابل حصولها على الطلاق أن ترد عليه حديقته ففعلت فطلقها زوجها.
إما الافتراء الذي تعاظم في السنوات الأخيرة خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 فهو الافتراء على المرأة المسلمة بسبب ارتدائها الحجاب الشرعي وعلى الأخص غطاء الرأس حيث يعتقد الغربيون أن المسلمين الرجال هم الذين يفرضون على المرأة المسلمة ارتداء الحجاب وطبقا لهذا الافتراء فان حجاب المرأة المسلمة بالنسبة لهم دليل على خضوع المرأة للرجل حيث يدعون أن المرأة المسلمة تابعة للرجل وترتدي الحجاب لتتوارى وراءه فلا يكون لها ظهور ولا وجود إلى جوار الرجل بل تعيش في الخفاء وراء حجاب فرضه الرجال المسلمون عليها ليحجبوها عن المدنية الحديثة وعن العمل وعن المشاركة الفعالة في المجتمع.
ونرد عليهم بأن الإسلام لم يمنع المرأة من المشاركة الفعالة في جميع أوجه الحياة الاجتماعية والسياسية، ولم يفرض الإسلام على المرأة الانحباس في البيت وعدم استقبالها لضيوف زوجها من الرجال في حضور زوجها في بيتهما وعدم خروجها إلى الاجتماعات العامة وعدم العمل خارج بيتها. فكل ذلك يعتبر من الافتراءات لأن المرأة المسلمة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت تستقبل ضيوف زوجها في بيتهما وتشارك زوجها في مجلسه وتستقبل ضيوفه وتضيفهم وتشاركهم الطعام. ونذكر هنا ما جاء في البخاري ومسلم أن أبو أسيد الساعدي دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لحضور عرسه، فما صنع لهم طعاما ولا قرب إليهم إلا امرأته أم أسيد فكانت خادمتهم يومئذ، وهي العروس. بلت تمرات في تور (إناء) فلما فرغ النبي ( (صلى الله عليه وسلم - من الطعام أماثته (أذابته) له فسقته، تتحفه (تخصه) بذلك. هكذا كانت العروس تستقبل ضيوف زوجها وتضيفهم بنفسها وبيديها ومنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
كما أن المرأة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت تخرج لاجتماعات عامة في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة حيث يدعو إليها مؤذن الرسول بلال – رضي الله عنه، كما كانت النساء يذهبن إلى مسجد الرسول للصلاة ورائه ولسماع دروسه وخطبه الدينية وما ينزل عليه من وحي. كما طالبت النساء الرسول الكريم بدروس خاصة بهن في المسجد لأن الرجال يغلبوهن عليه في المسجد فاستجاب الرسول الكريم لذلك. وهذا معناه أن النساء كن يحضرن دروس الرسول العامة في المسجد إلى جانب الرجال ولكن نظرا لكثرة عدد الرجال كانت النساء المسلمات لا يتمكن من توجيه الاسئلة إلى الرسول مباشرة لذا طالبن بتخصيص دروس لهن وحدهن، بينما فسر الفقهاء ذلك بضرورة فصل الرجال عن النساء في الدروس العامة في حين كانت النساء في عهد الرسول يصلين في نفس صحن المسجد خلف الرجال لم يكن هناك ما يسمي حاليا بالسندرة أو بالحرملك فكل ذلك اختراعات وبدع لم تكن موجودة في عهد الرسول الكريم في المدينة المنورة.
كما كانت المرأة تشارك في الغزوات وتصاحب زوجها أو أباها أو أخاها في رحلات الحج والعمرة وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج في أي غزوة أو رحلة حج دون النساء ودون أن يصطحب معه إحدى زوجاته. ولدينا الكثير من الأحاديث الشريفة ومن القرائن الثابتة في السنة النبوية الشريفة تؤكد تمتع المرأة المسلمة في عهد الرسول الكريم بحقوقها السياسية والاجتماعية وبعلو شأنها وباحترام رأيها والأخذ بمشورتها وبرؤيتها للأمور، حيث أن منظور المرأة للدنيا وللعالم يختلف عن منظور الرجل ويكفي للاستشهاد على ذلك باحترام الرسول الكريم لرأي زوجته أم سلمة عام صلح الحديبية ونصيحتها المشهورة له والتي أخذ بها ونفذها بحذافيرها بأن يخرج لأصحابه الرافضين لبنود صلح الحديبية ويبدأ بحلق شعره وذبح ذبيحته فيحذون حذوه. وفي هذا المثال دليلان على مكانة المرأة المسلمة في عصر الإسلام وتمتعها بحقوقها الدليل الأول حقها في إبداء الرأي والنصيحة والدليل الثاني حقها في الخروج ومصاحبة الزوج حتى في الغزوات الحربية.
كذلك اشتركت المرأة المسلمة في أول هجرة للمسلمين إلى الحبشة كما اشتركت أيضا في الهجرة إلى المدينة المنورة كما خرجت مع الرجال في الغزوات التي قادها الرسول - صلى الله عليه وسلم - لنشر الإسلام بالرغم من أنها معفاة من الجهاد ومن حمل السلاح. فقد ذكرت كتب السنة أن امرأة مسلمة شاركت ببسالة في الدفاع عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في معركة أحد بعد أن فر كثير من الرجال وكانت هذه المرأة وتدعى نسيبة بنت كعب أو أم عمارة تقاتل وهي مشمرة قد ربطت ثوبها على وسطها تقاتل دون رسول الله وتتصدى لابن قميئة الذي اندفع نحو الرسول ليطعنه ولكن أم عمارة تلقت الطعنة في كتفها ورآها الرسول - صلى الله عليه وسلم - فنادى على أحد الفارين كي يعطيها ترسه لتحتمي به وقال لها في إعجاب "من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة."
وأما الافتراء والادعاء بأن الحجاب رمز لخضوع المرأة المسلمة وأن الرجل هو الذي فرض الحجاب عليها لعزلها عن الحياة الاجتماعية فنجيب عليهم بأن الحجاب أمر من الله عز وجل نزل واضحا وجليا في آيتين كريمتين هما: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن..." (سورة النور، الآية 31) و"يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلاليببهن ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما" (سورة الأحزاب، الآية 59). فالمرأة المسلمة ترتدي الحجاب طوعا وامتثالا لأمر الله ولأمر رسوله الكريم وليس خضوعا للرجال كما يتوهم الغربيون.
وكلنا نعرف مدى تعسف بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا التي شنت حملة شعواء على الحجاب الإسلامي وأصدرت مؤخرا قانونا تم التصويت عليه في البرلمان الفرنسي وحصل على أغلبية ساحقة بمنع التلاميذ من ارتداء الرموز الدينية ومن بينها الحجاب في المدارس الابتدائية والثانوية الحكومية الفرنسية , وبالرغم من كل الاعتراضات من جميع أنحاء العالم ضد هذا القانون، إلا أن هذا القانون تم تطبيقه في فرنسا منذ العام الدراسي 2004. ولا نريد هنا أن ندخل في تفاصيل هذا القانون الفرنسي ومدى مشروعيته فليس هذا موضوع بحثنا ولكننا نريد أن نؤكد على أن هذا القانون لا يتعرض للطالبات في الجامعات الفرنسية اللواتي لهن الحق في ارتداء الحجاب في الجامعات الفرنسية الحكومية ولكن القضية قضية التعليم الإلزامي الذي تريده فرنسا علمانيا لجميع التلاميذ والتلميذات بدون تفرقة بسبب المعتقدات الدينية.
وفي الواقع إن الفرنسيين أعطوا لقضية الحجاب الإسلامي بعدا سياسيا واعتبروه رمزا من الرموز الدينية وقرروا أنه رمزا لخضوع المرأة المسلمة للرجل، بينما الحقيقة أن الحجاب الإسلامي ليس رمزا دينيا ولكنه فرض من فرائض الدين الإسلامي على المرأة المسلمة، أي انه أمر يتعلق بالعقيدة الدينية ويندرج تحت حق التعبير عن الرأي وممارسة العقيدة الدينية وليس تحت بند الرموز الدينية. ومن المعروف في القانون الدولي أن حق التعبير عن الرأي من الحقوق الأساسية المذكورة في دساتير جميع الدول الأوروبية وفي الميثاق العالمي لحقوق الإنسان وهذا القانون الفرنسي يعد خرقا للمادتين 18 و 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اللتين تنصان على حق كل إنسان في حرية التعبير وفي حرية ممارسة عقيدته الدينية.
ولم يكتف الأوروبيون بالافتراء على المرأة المسلمة في حياتها بل افتروا عليها أيضا بعد وفاتها وانتقالها إلى السماء فقد ادعوا كذبا أن الإسلام حرم الجنة على النساء وجعل الجنة حكرا على الرجال المسلمين لأن الإسلام وعد الرجال المسلمين بالجنة وبالحور العين فيها وحرم الجنة على المرأة المسلمة، وهذا الافتراء والادعاء الكاذب مرفوض ومردود عليه بالآية الكريمة التي ذكرناها عن أجر الأعمال الصالحة كما هناك أكثر من آية قرآنية تؤكد على دخول المؤمنات الجنة مثل المؤمنين تماما مثل الآية التالية "وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم" (التوبة، 72).
إذن علينا أن نؤكد للغرب أن كثير من الشوائب التي تشوه صورة المرأة المسلمة ليست لها علاقة بالإسلام لأن الإسلام جعل للمرأة مكانة رفيعة لو تم تطبيق الدول الإسلامية لها مثلما كانت مطبقة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المدينة المنورة لحسدتها المرأة الأوروبية على تلك المكانة. كذلك يجب تطوير الرؤية الإسلامية المستقبلية لوضع المرأة في الإسلام والارتقاء بشأن المرأة في مجتمعاتنا الإسلامية. ومما لاشك فيه أن من أهم أسباب تدحرج معظم الدول الإسلامية من دول نامية إلى دول أقل نموا حسب تقييم البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي ومن أسباب انخفاض معدلات النمو وارتفاع انتشار نسبة الأمية والجهل والفقر والتراجع في ميادين العلم والاختراعات والتكنولوجيا والإنتاج في كثير من الدول الإسلامية إنما يرجع إلى عدم احترام مبادئ حقوق الإنسان وعدم المساواة بين الرجل والمرأة مثلما جاء في النصوص الدينية الإسلامية الثابتة التي ذكرنا بعضها في هذا البحث. كما يرجع ذلك أيضا إلى التقاليد الزائفة التي ورثناها عن عهد الإمبراطورية العثمانية والتي ظلت راسخة حتى عهد قريب حيث حرمت المرأة من حقوقها الأساسية المنصوص عليها في القرآن الكريم وفي الأحاديث وفي السنة النبوية الشريفة.
إن حرمان المرأة المسلمة من حقوقها لقرون طويلة باسم الإسلام بينما الإسلام برئ من ذلك تسبب في تراجع الأمة الإسلامية تراجعا مزريا مازلنا نعيش آثاره المدمرة في بعض مجتمعاتنا الإسلامية. فقد كانت المرأة المسلمة حتى بداية القرن العشرين تعيش في ظلمات الجهل والانحصار بين جدران البيت فلم تكن تخرج منها إلا ثلاث مرات: من بطن أمها إلى العالم ومن بيت أبيها إلى بيت زوجها ومن بيت زوجها إلى القبر وإنني أتحدى من يجد أساسا في النصوص الدينية الإسلامية الثابتة لهذا الجهل المقدح.
ونأمل أن تحصل المرأة المسلمة التي تعيش في الدول الأوروبية على كل حقوقها وتتم مساواتها بالمرأة الأوروبية في هذه الدول الأوروبية بدون تفرقة بحجة أن المرأة المسلمة الأوروبية ترتدي الحجاب وهذا يجعلها مثل المعاقين حسب رأيهم وهذا نوع من الافتراء. وعلى المرأة المسلمة التي تعيش في المجتمعات الغربية أن تدحض هذه الافتراءات وتثبت بتصرفاتها وحسن أخلاقها أن الإسلام منحها حقوقها كاملة ويجب عليها أن تهتم أكثر ما تهتم بتنشئة أولادها على الأسس الراسخة للدين الإسلامي.
إن المرأة هي نصف المجتمع ومستقبل المجتمعات الإسلامية في النهوض بمستوى المرأة ومحو أميتها وتنشئتها التنشئة الإسلامية السليمة ومنحها الحقوق التي كفلها لها الإسلام ولا ننس أبدا ما وصانا به الرسول الكريم " استوصوا بالنساء خيرا" و" خيركم خيركم لأهله " و"النساء شقائق الرجال".


المصدر

No comments: