Saturday 7 June 2008

في الثيب النكاح


‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن يونس ‏ ‏وعبد الله بن مسلمة ‏ ‏قالا أخبرنا ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن الفضل ‏ ‏عن ‏ ‏نافع بن جبير ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏الأيم ‏ ‏أحق بنفسها من ‏ ‏وليها ‏ ‏والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها ‏
‏وهذا لفظ ‏ ‏القعنبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن حنبل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏زياد بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن الفضل ‏ ‏بإسناده ‏ ‏ومعناه قال ‏ ‏الثيب ‏ ‏أحق بنفسها من ‏ ‏وليها ‏ ‏والبكر ‏ ‏يستأمرها ‏ ‏أبوها ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏أبوها ليس بمحفوظ ‏



عون المعبود شرح سنن أبي داود

( الْأَيِّم أَحَقّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيّهَا ) ‏
: قَالَ الْقَاضِي : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالْأَيِّمِ هَا هُنَا , فَقَالَ عُلَمَاء الْحِجَاز وَالْفُقَهَاء كَافَّة الْمُرَاد الثَّيِّب , وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى بِالثَّيِّبِ , وَبِأَنَّهَا جُعِلَتْ مُقَابِلَة لِلْبِكْرِ , وَبِأَنَّ أَكْثَر اِسْتِعْمَالهَا فِي اللُّغَة لِلثَّيِّبِ . وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَزُفَر : الْأَيِّم هَا هُنَا كُلّ اِمْرَأَة لَا زَوْج لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَاهُ فِي اللُّغَة , قَالُوا فَكُلّ اِمْرَأَة بَلَغَتْ فَهِيَ أَحَقّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيّهَا , وَعَقْدهَا عَلَى نَفْسهَا نِكَاح صَحِيح . وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيّ وَالزُّهْرِيّ . قَالُوا وَلَيْسَ الْوَلِيّ مِنْ أَرْكَان صِحَّة النِّكَاح بَلْ مِنْ تَمَامه . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد : تَتَوَقَّف صِحَّة النِّكَاح عَلَى إِجَازَة الْوَلِيّ . قَالَ الْقَاضِي : وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَحَقّ مِنْ وَلِيّهَا " هَلْ أَحَقّ بِالْإِذْنِ فَقَطْ أَوْ بِالْإِذْنِ وَالْعَقْد عَلَى نَفْسهَا . فَعِنْد الْجُمْهُور بِالْإِذْنِ فَقَطْ , وَعِنْد هَؤُلَاءِ بِهِمَا جَمِيعًا . وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَحَقّ بِنَفْسِهَا " يَحْتَمِل مِنْ حَيْثُ اللَّفْظ أَنَّ الْمُرَاد أَحَقّ مِنْ وَلِيّهَا فِي كُلّ شَيْء مِنْ عَقْد وَغَيْره كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَة وَدَاوُد , وَيَحْتَمِل أَنَّهَا أَحَقّ بِالرِّضَى أَيْ لَا تُزَوَّج حَتَّى تَنْطِق بِالْإِذْنِ بِخِلَافِ الْبِكْر , وَلَكِنْ لَمَّا صَحَّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا نِكَاح إِلَّا بِوَلِيٍّ " مَعَ غَيْره مِنْ الْأَحَادِيث الدَّالَّة عَلَى اِشْتِرَاط الْوَلِيّ يَتَعَيَّن الِاحْتِمَال الثَّانِي وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَة أَحَقّ هَا هُنَا لِلْمُشَارَكَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا فِي نَفْسهَا فِي النِّكَاح حَقًّا وَلِوَلِيِّهَا حَقًّا وَحَقّهَا أَوْكَد مِنْ حَقّه فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ تَزْوِيجهَا كُفُؤًا وَامْتَنَعَتْ لَمْ يُجْبَر , وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تُزَوَّج كُفُؤًا فَامْتَنَعَ الْوَلِيّ أُجْبِرَ , فَإِنْ أَصَرَّ زَوْجهَا الْقَاضِي , فَدَلَّ عَلَى تَأَكُّد حَقّهَا وَرُجْحَانه . كَذَا قَالَ النَّوَوِيّ ‏
( وَالْبِكْر تُسْتَأْمَر فِي نَفْسهَا ) ‏
: أَيْ تُسْتَأْذَن فِي أَمْر نِكَاحهَا ‏
( وَإِذْنهَا صُمَاتهَا ) ‏
: بِضَمِّ الصَّاد أَيْ سُكُوتهَا يَعْنِي لَا تَحْتَاج إِلَى إِذْن صَرِيح مِنْهَا بَلْ يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا لِكَثْرَةِ حَيَائِهَا . قَالَ النَّوَوِيّ : ظَاهِره الْعُمُوم فِي كُلّ بِكْر وَكُلّ وَلِيّ وَأَنَّ سَكُوتهَا يَكْفِي مُطْلَقًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح . وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا إِنْ كَانَ الْوَلِيّ أَبًا أَوْ جَدًّا فَاسْتِئْذَانه مُسْتَحَبّ وَيَكْفِي فِيهِ سُكُوتهَا , وَإِنْ كَانَ غَيْرهمَا فَلَا بُدّ مِنْ نُطْقهَا لِأَنَّهَا تَسْتَحْيِي مِنْ الْأَب وَالْجَدّ أَكْثَر مِنْ غَيْرهمَا . وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنَّ السُّكُوت كَافٍ فِي جَمِيع الْأَوْلِيَاء لِعُمُومِ الْحَدِيث وَلِوُجُودِ الْحَيَاء . وَأَمَّا الثَّيِّب فَلَا بُدّ فِيهَا مِنْ النُّطْق بِلَا خِلَاف سَوَاء كَانَ الْوَلِيّ أَبًا أَوْ غَيْره لِأَنَّهُ زَالَ كَمَال حَيَائِهَا بِمُمَارَسَةِ الرِّجَال , وَسَوَاء زَالَتْ بَكَارَتهَا بِنِكَاحٍ صَحِيح أَوْ فَاسِد أَوْ بِوَطْءِ شُبْهَة أَوْ بِزِنًى , وَلَوْ زَالَتْ بَكَارَتهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ بِإِصْبَعٍ أَوْ بِطُولِ الْمُكْث أَوْ وُطِئَتْ فِي دُبُرهَا فَلَهَا حُكْم الثَّيِّب عَلَى الْأَصَحّ , وَقِيلَ حُكْم الْبِكْر وَاَللَّه أَعْلَم . ‏
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ ‏
( وَهَذَا لَفْظ الْقَعْنَبِيّ ) ‏
: هُوَ عَبْد اللَّه بْن مَسْلَمَة . ‏
( وَالْبِكْر يَسْتَأْمِرهَا أَبُوهَا ) ‏
: ظَاهِره حُجَّة عَلَى مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يَجُوز لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّج الْبِكْر الْبَالِغَة بِغَيْرِ اِسْتِئْذَانهَا . قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح : وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَب يُزَوِّج الْبِكْر الْبَالِغ بِغَيْرِ إِذْنهَا فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيّ وَالْحَنَفِيَّة وَوَافَقَهُمْ أَبُو ثَوْر : يُشْتَرَط اِسْتِئْذَانهَا , فَلَوْ عُقِدَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ اِسْتِئْذَان لَمْ يَصِحّ . وَقَالَ الْآخَرُونَ : يَجُوز لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجهَا وَلَوْ كَانَتْ بَالِغًا بِغَيْرِ اِسْتِئْذَان وَهُوَ قَوْل اِبْن أَبِي لَيْلَى وَمَالِك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق , وَمِنْ حُجَّتهمْ مَفْهُوم حَدِيث الْبَاب لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّيِّب أَحَقّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيّهَا , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وَلِيّ الْبِكْر أَحَقّ بِهَا مِنْهَا . قَالَ الْعَلَّامَة الشَّوْكَانِيُّ : يُجَاب عَنْهُ بِأَنَّ الْمَفْهُوم لَا يَنْتَهِض لِلتَّمَسُّكِ بِهِ فِي مُقَابَلَة الْمَنْطُوق . قَالَ الْحَافِظ : وَاحْتَجَّ بَعْضهمْ بِحَدِيثِ يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق عَنْ أَبِي بُرْدَة عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا " تُسْتَأْمَر الْيَتِيمَة فِي نَفْسهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إِذْنهَا " قَالَ فَقَيَّدَ ذَلِكَ بِالْيَتِيمَةِ فَيُحْمَل الْمُطْلَق عَلَيْهِ , وَفِيهِ نَظَر لِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس الَّذِي ذَكَرْته بِلَفْظِ " يَسْتَأْذِنهَا أَبُوهَا " فَنَصَّ عَلَى ذِكْر الْأَب . ‏
وَأَجَابَ الشَّافِعِيّ بِأَنَّ الْمُؤَامَرَة قَدْ تَكُون عَنْ اِسْتِطَابَة النَّفْس وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث اِبْن عُمَر رَفَعَهُ " وَآمِرُوا النِّسَاء فِي بَنَاتهنَّ " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ . قَالَ الشَّافِعِيّ : لَا خِلَاف أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأُمِّ أَمْر لَكِنَّهُ عَلَى مَعْنَى اِسْتِطَابَة النَّفْس . وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : زِيَادَة ذِكْر الْأَب فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس غَيْر مَحْفُوظ . قَالَ الشَّافِعِيّ : زَادَهَا اِبْن عُيَيْنَةَ فِي حَدِيثه , وَكَانَ اِبْن عُمَر وَالْقَاسِم وَسَالِم يُزَوِّجُونَ الْأَبْكَار لَا يَسْتَأْمِرُونَهُنَّ . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَالْمَحْفُوظ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس " الْبِكْر تُسْتَأْمَر " وَرَوَاهُ صَالِح بْن كَيْسَانَ بِلَفْظِ " وَالْيَتِيمَة تُسْتَأْمَر " وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو بُرْدَة عَنْ أَبِي مُوسَى وَمُحَمَّد بْنِ عَمْرو عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْبِكْرِ الْيَتِيمَة . قُلْت : وَهَذَا لَا يَدْفَع زِيَادَة الثِّقَة الْحَافِظ بِلَفْظِ الْأَب . وَلَوْ قَالَ قَائِل بَلْ الْمُرَاد بِالْيَتِيمَةِ الْبِكْر لَمْ يَدْفَع وَتُسْتَأْمَر بِضَمِّ أَوَّله يَدْخُل فِيهِ الْأَب وَغَيْره فَلَا تَعَارُض بَيْن الرِّوَايَات وَيَبْقَى النَّظَر فِي أَنَّ الِاسْتِئْمَار هَلْ هُوَ شَرْط فِي صِحَّة الْعَقْد أَوْ مُسْتَحَبّ عَلَى مَعْنَى اِسْتِطَابَة النَّفْس كَمَا قَالَ الشَّافِعِيّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مُحْتَمِل اِنْتَهَى كَلَام الْحَافِظ ‏
( قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَبُوهَا لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ ) ‏
: وَفِي بَعْض النُّسَخ : هَذَا مِنْ سُفْيَان وَلَيْسَتْ هَذِهِ الزِّيَادَة فِي عَامَّة النُّسَخ . وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَزِيَادَة اِبْن عُيَيْنَةَ غَيْر مَحْفُوظَة اِنْتَهَى . ‏
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَقَدْ أَخْرَجَ هَذِهِ الزِّيَادَة مُسْلِم فِي صَحِيحه وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنه


المصدر

No comments: