Tuesday 20 May 2008

خيانة أم تجميل؟؟

نادين البدير
الاثنين 19 أيار (مايو) 2008


- من هؤلاء المتحدثات؟

- هؤلاء ناشطات حقوقيات للدفاع عن المرأة.... يقولون أنهن يؤسسن ركائز الحركة النسوية الحديثة.. ويقمن بجولات بين الندوات والمؤتمرات العالمية نيابة عن نساء أوطانهن..

سُئلت الناشطة عن أحوال المرأة في بلادها..فجاء الجواب أنها تحيا أجمل الأيام.. وستبقى كذلك ما بقي رجال الدين والأعراف، فالحياة الكريمة لا يكفلها سوى العودة للأصول.

حضرت المرأة، إذاً، للدفاع عن أسباب ضعفها، لتبرير قمعها، لإثبات سذجها وانصياعها.

حضرت المرأة لتكون عدوة نفسها. ولتنكر حقوقها.

جاءت لتدلي بشهادتها، فلم تخرج ورقتها عن أجوبة متهالكة، وقصص تروى بلحن واحد منذ عشرات السنين، عبارات تتداولها ألسن الكثيرات من زوجات قادة، محاميات، أكاديميات وحتى إعلاميات وصحافيات.

" لقد حصلت المرأة العربية على كافة الحقوق والحريات"

بعضهن يبدأ خطابهن هكذا:

" لقد استطاعت المرأة العربية أن تحقق نهضة تنموية زاخرة في حياتها، وقد تمكنت من الوصول إلى أرقى المراكز القيادية، وقد نجحت في دخول كافة المجالات التعليمية، وقد تساوت مع الرجل في مختلف مجالات العمل الحياتية".

لماذا المشاركة في مؤتمر يناقش حقوق المرأة إذاً؟

يتداول تلك العبارات عدد من النساء كن سببا في تراجع حركة تحرير المرأة العربية عموماً والخليجية خصوصاً. إن القول والتأكيد على أن المرأة قد حصلت على كل أو الكثير من الحقوق يعني أننا توقفنا عن المطالبة. إنه الجواب الشافي الذي يود أن يسمعه رجل السياسة ورجل الدين ورجل المجتمع.

أستمع إلى الكثيرات فأتساءل عن أية بلدان يتحدثون؟ أم أنهم يحكون حكاية وطن آخر غير وطني. وحين يكون النقاش دائر حول السعودية، فلعلها سعودية أخرى غير السعودية التي أنتمي إليها..

في مؤتمر عقد حول المرأة العربية والمستقبل، قلت للمشارِكة التي حضرت خصيصاً لتجميل السمعة الملطخة:

- عن أية بلاد تتحدثين وباسم من؟ هذه أكبر إهانة يمكن أن توجه للنساء خاصة أولئك القابعات في قاع المجتمع واللواتي يأملن أن تصل أصواتهن للجهات المسؤولة من خلالنا نحن الذين نخرج للعلن ويشاهدنا الملأ.

الظهور الإعلامي للناشطة مهمة في غاية الحساسية، ليس به مجال للنفاق أو لتزييف الوقائع، فإن كان هناك خوف أو خجل من كشف حقيقة قد يودي بسمعتها أو يخل بأمنها، فلتلزم بيتها ولتحول طريقها إلى مجال اهتمام آخر، هناك آلاف من الأعمال التي لا تتطلب جهود ومخاطر.

من المحال الجمع بين النشاط الحقوقي وبين مشاعر الخجل والخوف.

من المحال الجمع بين الدفاع عن المضطهدات وبين تبرير الظلم والقمع.

كانت مهمة الناشطة بالأمس مطالبة رجال السياسة والمجتمع بحقوق المرأة. اليوم أصبحت مهمة كثير من الناشطات تعزيز ظلم الرجل، الدفاع عنه، ومهاجمة من تسول لها نفسها فتتجرأ على مجتمع الرجال وتطالب بحقها في الحياة.

ولولا ناشطات في بعض دول الخليج كالبحرين والكويت وقلة سعودية قليلة جدا لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة يجهدن في إخراج أصوات الصامتات إلى النور، يتحملن عناء التكفير والهجوم المجتمعي والديني، ويجهرن بصوت الحق، لكنا علمنا أن عهد النساء زائل لا محالة. أن عهد وأد النساء قد دنى وآن أوانه.

قالت المشاركة في المؤتمر: لسنا بحاجة لقيادة السيارات.

كثيرات من فتيات جيلي، وفي ظل منع المرأة من قيادة السيارات في السعودية، حرمن من التعليم الجامعي لأنهن لم يمتلكن دخلاً كافياً لدفع أجرة سائق شهري ولم يكن أحد من رجال عائلتهنّ يملك الوقت الكاف لإيصالهنّ من وإلى الجامعة.. ألا تستحق منا تلك الفتاة التي قتل طموحها ذكر سيرتها؟ . هل ملكت المرأة بذلك كل وسائل التعليم؟ إنها خيانة كبرى ترتكبها الناشطة التي تؤكد وبكل فوقية أن "المرأة السعودية لا تحتاج للقيادة لأنها تملك بدل السائق اثنين وثلاثة".

الحكومات تؤكد اليوم أن القضية اجتماعية وليست بيد السياسي.. لقد رموا الكرة بملعبنا، وغالبية اللاعبات سيسجلن الهدف لصالح الخصم. لم نعد نفرح لتلك التصريحات، فليست فرصة أمام من تطلق على نفسها لقب (ناشطة) لتطالب بحق الأخريات في القيادة، بل ستعلن أمام الملأ بأننا جميعاً لسنا بحاجة إليها. لتقرّ أعين رجال الدين إذاً.

قالت أيضاً : لقد حصلنا على كافة الحقوق.

هكذا جهرت بقولها (كافة الحقوق) ونحن لا نملك أي حق سياسي وأي حق قانوني أو اجتماعي. لا نملك حق تقرير المصير، يتسلمني الرجل من مهدي ويسلمني إلى لحدي...ولي أمر مجبرة أنا على طاعته وإن بلغت من العمر والعلم عتياً، له الحق في أن يحرمني الحياة أو يهبني إياها.

نضال ومعارك لا حصر لها تعيشها المرأة الطموحة في الخليج لتثبت للبيئة العائلية الصغيرة من حولها أنها إنسانة تملك حق تقرير مصيرها... وعندما تنجح في معركتها، فهل تنسى أخريات لا يملكن السلاح؟ لم يتعلمن كيف تقال كلمة (لا).

أخريات لم يعلمن أنه ليس على المرأة أن تنتظر الحرية والعدالة من الرجل، ليس عليها أن تستلم مفاتيح سجنها من السجان، بل أن تحطم قضبان السجن، أن تلويها لياً.. فالحرية تنتزع بالقوة، الحقوق تؤخذ عنوة، التاريخ لم يسجل أي حركة ذكورية أسست للدفاع عن حقوق المرأة.

وأتبعت المشاركة بقولها: إنها عاداتنا وتقاليدنا محافظين عليها

ليست عاداتنا. لم تحيا جدتي الحياة التي تعيشها حفيدتها، إنها عادات مستحدثة جاءتنا مع الموجة الدينية التي غزت الأمكنة العربية. لم يخجل أبناء بلادي في الأمس من المرأة.

هل نصمت بعد ذلك ونحن نستمع لصوت أنثى تغدر، تخون وتطعن كل قريناتها.

في الشوارع، أصادف نساء مغسولات الأدمغة، لف عقولهن أحدُ المتشددين فعيّنهن حارسات للفضيلة، يوجّهن عبارات مقززة لكاشفات الوجوه، المطلوب عند المواجهة الدعاء لهم بـ (جزاك الله خيراً).

علينا أن ندعو لحارسات الفضيلة، أن نقف صامتات ونحن نشاهد الوطن تتلقفه الجماعات المتأخرة، نشاهده يهوي نحو التخلف بإسم الدين ونتفرج.

وفيما يجهر المتشددون في الشوارع والمنابر بآرائهم وتشتمنا نسائهم بعلو أصواتهن، نقف نحن صامتات، كأننا نخجل بأفكارنا فنداريها.

نشاهد صورة مزورة لوطن غير وطننا ونقف صامتات.

إن لم نواجه الخطأ، إن لم نعترف بواقعنا، بمشاكلنا، فكيف سنجد حلولها، كيف سنجمّل الصورة البشعة.

ليس عدلاً أن ينتكس حال المرأة... ليس عدلاً أن تكون ناشطات الأمس سبباً في تحسين وضع المرأة بعدة دول خليجية، فتمتهن أعداد من الحفيدات مهمة رسمية اسمها تجميل وترقيع الصورة. لقد نجح السياسي بلعبته، استغل المرأة للوقوف واجهة أمام انتقادات الغرب لانتهاكات حريات النساء. نجح رجل الدين بلعبته، فأوهمها أن الجميع يريدها أن تسقط بالرذيلة. وهي سائرة دون وعي تتعلق تارة بالوطنية وتارة بالروحانيات في ظل عدم وجود بديل للوجود الديني.. فالفكر الفطري الحر مشتت وغير منظم.

نجحت كل الألاعيب والضحية هي المرأة..

وغزا الكذب المحافل والضحية هي المرأة.

فكثير من الناشطات خانعات.. كثير من الناشطات خائنات...

Albdairnadine@hotmail.com

* إعلامية سعودي


المصدر

No comments: