Tuesday 20 May 2008

المرأة القصيدة


حسين عبد الكريم

أنا والقصيدة وثلاثون سنة تقريباً نبحث عن المرأة القصيدة.. واهتدينا اليها مرات قليلة، عند مفترق الحنين، وخلف أشرعة السنين..

عند مساء البحر شاهدت امرأة تلون الزرقة بالكحل وبهجة الليلك البلدي.. ومشت الى كلام النعاس بأريحية الوردة والضوء، حتى ملأت دكاكين البحر بالرِّقة.. تصوروا الحالة: قبل مجيئها الحنون بين شاطئي الزرقة والنعاس، كان الموج لايساوي أكثر من الموج.. وحين جاءت صار الموج (عتابا) ساحلية وصار رقصا عاليا فوق جسدالماء. واشترينا لاول مرة من الدكاكين، التي لم تكن تعني لنا شيئاً، كلمة رقة او بسمة ضائعة بين ركام التعب واللهاث وراء الحاجات. المرأة بهذا الحضور هي القصيدة، ربمالاتنقصها موسيقا البحر البسيط.. وربما تجيء إلى قوافي وقتها السعادة المأزومة، فتلعن عمرها، وتشوِّه ميزان الشعريِّة الأنثوية.. بين المرأة القصيدة والمرأة الركام والاستهلاك مسافة، تبدو بسيطة وقريبة، لكنها في حقيقة الحال صعبة ومحال.. وهي نار واشتعال... المرأة أهم صانعي وخازني وموزعي الرِّقة في الكون، وصناعة وخزن وتوزيع الرِّقة احتياجات روحية، تشاركت في وجودها حالات الخلق والإبداع البدئي ، الكوني.. وهذا مانسميه موهبة من السماء.. المرأة موهوبة بالرِّقةومبدعة كبيرة في نشر الضوء في حارات العتمة، ولاأعني بالرقة هذه بهاء حضورها الجسدي، منفصلاً عن بهاء حضورها الإنساني.. المرأة القصيدة هي جامعة: في كتاب وجودها يلتقي الانثوي بالإنساني .

وهنا يبدأ دور المتلقي القارىء في فصول الأنثى الإنسانة.. المرأة القصيدة تحتاج عاشقاً أو حبيباً أو قريباً أو قارئاً أو متلقياً كونت ذوقه الحياة بشيء من الشعرية. المرأة قبل أي أمر، لاتجيد التوهج أمام قناديل جسدها، خارج فعل روحها وتوجيهاتها بالتوهج أو الانطفاء..

سألني أحد الفاشلين في قراءة المرأة القصيدة أو سواها: نحن نحترق بسياط شمس الصيف القاسية.. النساء ألايحترقن مثلنا؟ - النساء ياصديقي الراسب في أبسط دروس الذوق الإنساني، يحترقن من الداخل، من شمس روحهن ..والرجال لسوء الحظ يحترقون من الخارج.. أيةشمس تؤثر على الرجال.. والنساء لحسن حظهن يحتفظن بشمسهن الداخلية ، التي تزداد اشتعالاً وناراً واحتراقاً في مواقيت قد لايردنها، لكنَّها لهن دون الرجال.. في جميع العصور الشعرنادر، والنساء القصائد نادرات، لكنهن مثلهن مثل الشعر الجيد نبرة صوت العذوبة في نشيد الحياة الطويل والمتهدج احياناً.. في عصرنا الاستهلاكي المزدحم بالبشاعات المعلبة والمفلوشة، هل نُوَّفق الى القراءة الجميلة في حضور وغنائية المرأة القصيدة، لنحميها من آفات السوق والسوقية، ونحتمي بها من الانحطاط الذوقي والحضيض..؟!؟!


المصدر

No comments: