Saturday 31 May 2008

ما العمل للنهوض بالمرأة العربية؟
المغرب - د.إدريس لكريني
يعتبر تقرير التنمية الإنسانية: نحو نهوض المرأة فى الوطن العربي، وهو لبنة جديدة أساسية تضاف إلى التقارير الثلاث التى سبقته والمرتبطة بـ: "خلق الفرص للأجيال القادمة، دعوة للحرية وللحكم الصالح فى العالم العربي، نحو إقامة مجتمع المعرفة" والتى أشرف على إعدادها مجموعة من الباحثين العرب بدعم من الأمم المتحدة، ويكتسى هذا التقرير الأخير أهمية كبرى بالنظر إلى معالجته لقضية حيوية تطرح العديد من الإشكالات الفكرية والسياسية فى المنطقة العربية.
وضمن هذا السياق؛ وجريا على عادته فى عقد لقاءات فكرية وعلمية لمناقشة التقارير السابقة ونشرها، نظم مركز الدراسات الدستورية والسياسية بمراكش ندوة علمية لمناقشة هذا التقرير؛ وتقييم جوانبه المفاهيمية والمنهجية والموضوعية والاستشرافية.. وذلك بمشاركة مجموعة من الباحثين والخبراء من مختلف الأقطار العربية.
تقديم التقرير
افتتحت الجلسة العلمية الأولى بورقة تقديمية تتعلق بمحتوى التقرير؛ تم من خلالها تقريب المشاركين والحاضرين من مضمونه والوقوف على أهم محاوره.
إن متابعة سيرة التقارير تؤكد أن هذه الأخيرة جاءت كمحاولة للمساهمة فى مشروع فكرى بالمنطقة العربية، من خلال إثارة الحوار حول قضايا محورية فى "مشروع النهضة العربية".
والجدير بالذكر أن هناك تقاطعا وتكاملا وانسجاما بين التقارير الأربعة؛ ذلك أن مفهوم الحرية يشكل أساسا لهذه التقارير الأربعة مجتمعة.
ولعل ما يمنح هذه الأخيرة أهمية ومصداقية هو ذلك التنوع الشديد الذى يميز فريق التقرير؛ فزيادة على إلمامه؛ فهو متنوع من حيث السن والجنس وكذا من حيث الأقطار التى ينتمى إليها الباحثون..؛ أما طريقة العمل فتعتمد على البحوث والمسوح الميدانية والأوراق الخلفية للمواضيع ونتائج أبحاث ميدانية خاصة؛ كما أن بعض أعضاء الفريق يقدمون أوراقا حول الموضوع؛ مع وجود فريق مركزى متنوع يتولى صياغة المادة النهائية للتقرير.
ونظرا إلى أن غاية التقرير تركزت فى إثارة حوار جدى حول قضايا مهمة مرتبطة بالنهضة فى الأقطار العربية؛ فقد حاول فريق البحث أن يتصدى لمجموعة من المعيقات والصعوبات؛ كتلك المرتبطة ببعض القيود التى كان يفرضها برنامج الأمم المتحدة الإنمائى -الذى تمثل فيه الدول بصفة رسمية- بحكم رعايته للتقرير؛ أو تلك المتعلقة بمحدودية النشر؛ وبخاصة مع انخراط مجموعة من المنظمات فى الترويج له بشكل فعال.
السياق العام لواقع المرأة العربية
أثيرت خلال الجلسة العلمية الثانية مجموعة من الانتقادات التى وجهت إلى منهجية التقرير، فقد لوحظ أن هذا الأخير اعتمد على مقارنة بين وحدات متفاوتة ومتباينة، مع وجود حالات من تعميم الأوضاع والنتائج بشكل تعسفى على الدول العربية دون استحضار خصوصية وتميز بعضها عن الآخر؛ مما أدى إلى السقوط فى منهج استنباطى تعميمي-مثلا ركز التقرير على الوضع الصحى المتدهور للمرأة؛ فى حين أن الرجل يتقاسم معها هذه المعاناة أيضا-.
فيما أشارت مداخلات أخرى إلى أن التقرير اعتمد فى خلاصاته على معلومات غير دقيقة وعلى معطيات إحصائية لا تعبر حقيقة عن الواقع.
تحدث التقرير عن مجموعة من الأنماط الاجتماعية التى تساهم فى تحديد وضعية المرأة فى الأقطار العربية؛ وركز فى هذا الشأن على ثلاثة عناصر اعتبرها أساسية ومؤثرة: "الموروث الدينى والثقافة الشعبية والفكر العربى والفنى والإنتاج الإعلام
حيث أشار إلى الآثار السلبية للموروث الثقافى والديني؛ ذلك أن العديد من الدول العربية لازالت تتحفظ على حقوق كثيرة للمرأة؛ مدرجة ضمن مجموعة من الاتفاقيات والمواثيق الدولية، مما يكرس الميز.
وعلى الرغم من أن العديد من الأقطار "المنفتحة"؛ اختارت الاتجاه الحداثي؛ فقد ظلت ترتبط بمظاهر كثيرة من الموروث الثقافى والدينى التقليديين -فى تونس وفى المغرب حيث استمرار المحافظة رغم صدور مدونة الأسرة؛ والحال أكثر سيادة فى دول تقليدية خليجية عربية أخرى-.
وضمن مقاربة أخرى؛ لوحظ أن التقرير تناول مختلف الصور التى تعرضها الرواية العربية النسائية: صورة المرأة المستلبة الحقوق -غياب حقوق أمام الرجل- وصورة المرأة المناضلة -مقاومة فى فلسطين؛ العراق؛ لبنان..- وصورة المرأة المتمردة -صورة نمطية ماكرة، فاتنة..- ثم صورة المرأة المتعددة التى تؤدى جميع هذه الصور.
وقد أثير فى هذا الصدد أن التقرير لم يشر سوى للرواية؛ على الرغم من أهمية دور الأدب بمختلف ألوانه وأجناسه فى نشر ثقافة المساواة وحقوق الإنسان..
وقد أكد أحد المتدخلين على أنه وعلى الرغم من وجود مجموعة من المعطيات الواردة فى التقرير؛ التى لا تتواءم والتصورات الأمريكية -حماس منتخبة ديموقراطيا، العراق محتل..- ، إلا أن هناك نوعا من التواطؤ الذى يظهر عند عدم الكشف عن أسماء بعض الدول التى ينتقدها التقرير.
إن إصلاح قضايا المرأة لا يمكن أن يتم إلا فى إطار إصلاح مجتمعى شامل -فالمجتمع من جهته لا يسمح بتطوير مشاركة المرأة..-، ورغم الضغوطات والإكراهات التى تفرضها الحكومات فى هذا الشأن؛ فإن حراك المجتمع المدنى فى عدة دول عربية -مصر، ليبيا، اليمن..- يعد بالكثير من الانتظارات.
المرأة العربية من خلال حالات قطرية
أسهمت المرأة القروية بشكل ملحوظ إلى جانب المرأة الحضرية فى التاريخ الوطنى للمغرب؛ وإذا كانت مرحلة الاستعمار قد تميزت بخلخلة المجتمع؛ والانشغال بأولوية الاستقلال؛ بالشكل الذى أعاق تبلور قضية المرأة بشكل جلي؛ فإن مرحلة بناء الدولة من "1956 – 1962" اتسمت بالتوتر بين طرفين لكل منهما مشروعيته، النظام الملكى من جهة والحركة الوطنية وأحزابها من جهة ثانية، قبل أن يتبلور الوعى النسائى الجديد، وقد كان للتحولات الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان أثر كبير فى بلورة وتشكل الحركة النسائية بالمغرب.
يظل السؤال المرتبط بمدى توفق التقرير فى الأخذ بعين الاعتبار مجمل الاختلافات والخصوصيات بين مختلف الأقطار العربية التى تعرف تباينات عديدة مطروحا بحدة؛ ويبدو أن التقرير لم ينجح بشكل كبير فى إثارة هذه الفروقات بشكل صارم ودقيق، فقد تعامل مثلا مع مسألة التأثير الخارجى على الدول العربية فى شأن قضايا المرأة بتعميم مفرط؛ على الرغم من أن الأمر يختلف من قطر عربى لآخر.
أما نظام الحصص الذى اعتبره التقرير وسع من مشاركة المرأة فى المغرب؛ فلا نجد نصوصا قانونية تؤكده وتكرسه
ومن جانب آخر؛ تقتضى الموضوعية الاعتراف بمساهمة المرأة فى اقتصاديات الدول العربية؛ وفيما يخص تعامل التقرير مع واقع المرأة القروية فى هذا الشأن؛ فقد اعتمد على إحصائيات وبيانات تتسم بعدم الوضوح؛ فهو لا يشير بتدقيق إلى المرأة العاملة القروية ولا يعترف بمساهماتها الاقتصادية؛ حيث نجده يدمجها فى كلمة العالم القروي؛ كما أن القطاعات التى ركز عليها لا تعكس حقيقة القطاعات التى تشتغل فيها المرأة -مفهوم العمل فى علم الاجتماع هو كل ما تقوم به المرأة من أعمال منزلية وغيرها.. وليس كمفهوم العمل الرسمى الذى تتبناه الحكومات-؛ ولا يوضح أيضا معنى المجال الخاص -مما يطرح معه سؤال: هل عمل المرأة القروية يندرج فى إطار القطاع الخاص؟-.
وبالعودة إلى الحالة المغربية، أكدت إحدى المداخلات أن المرأة ظلت مهمشة باستمرار فى السياسات العامة للدولة، على الرغم من حضورها الفاعل فى الأحداث والتحولات التى شهدها المغرب.
ففى بحث ميدانى أنجز فى مناطق محيطة بمدينة مراكش؛ لوحظ وجود نسب ضعيفة لتمدرس الفتاة؛ كما تبين أن الفتيات فى هذه المناطق يتزوجن فى سن جد مبكرة ومعرفتهن بالأحزاب السياسية ضعيفة وهامشية؛ فيما تنظرن للمنتخب أو المرشح فى الانتخابات كممثل "للمخزن".
وفيما يخص واقع المرأة السورية؛ الذى لم يتناوله التقرير بالدراسة، وإسهاما منه فى إثراء النقاش؛ ذكر أحد المتدخلين أن المرأة السورية تخضع إلى قوانين صدرت فى الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم.
أما الحقوق المعترف بها لها؛ فهى حقوق شكلية ومع ذلك يتم انتهاكها فى الكثير من الأحيان؛ وبخاصة فى ظل حالة الطوارئ، التى امتدت لحوالى 40 عاما، وفرضت فيها قوانين وإجراءات ومحاكم استثنائية؛ مما أثر سلبا فى مسار الحركة النسائية وتواصلها مع النساء السوريات.
وعلى الرغم من أن تمثيلية المرأة فى مجلس الشعب السورى تصل إلى 12 بالمائة؛ مع وجودها كسفيرة فى السلك الدبلوماسي، وحضورها داخل الأحزاب السياسية، فإن مجال العمل النسائى يتركز فى الزراعة والخدمات؛ وهى إجمالا مجالات تقليدية ومتخلفة.
وضمن مداخلة أخرى ترتبط بالحراك الاجتماعى والمهنى للمرأة فى الجزائر؛ وتستهدف الوقوف على مدى تكافؤ الفرص فى الجزائر، تم التأكيد على أن المعطيات الإحصائية تبرز ركوضا فى وضعها المهنى مقارنة مع الرجل الذى يبدو أكثر حراكا منها؛ وهو ما يترجم التهميش الحاصل للمرأة العاملة.
وإذا كان الحراك المهنى للمرأة يظل مرتبطا سلبا أو إيجابا بمنطق الفقر والغنى، فإن المنظومة التربوية هى التى تؤثر فى حراكها الاجتماعي.
ما العمل للنهوض بالمرأة العربية؟
أبرزت دراسة قام بها أحد المتدخلين توصل بموجبها – وعلى عكس نتائج بعض الدراسات السابقة التى أجريت فى هذا الشأن –أن المرأة التى تعيش فى المناطق "البورية" الجبلية هى التى تعيش أوضاعا اجتماعية صعبة وقاسية.
وهو بذلك يسلط الضوء على الفئة الاجتماعية – الفلاحية - التى ينبغى أن ينصب عليها الاهتمام والاستفادة بالتالى من جهود التنمية.
وعلاقة بتمكين المرأة فى المغرب؛ وضمن برنامج قبلى وآخر بعدى أجرى بهدف الوصول إلى مدى استيعاب النساء الأميات للمدونة، تمكن أحد الباحثين المتدخلين من رصد صورة لعالم هؤلاء النساء الأميات سمته السكن الهامشي؛ وغياب الخدمات الاجتماعية والصحية، وارتباطهن بأزواج يشتغلون فى مهن بسيطة ومتواضعة..
يظل الرجل كما المرأة غير منصفان -بفتح الصاد- فى المنطقة العربية، على الرغم من أن السياق السياسى والقانونى يكرس التمايز بينهما استنادا إلى اعتبارات دينية وثقافية.. -مع استحضار الاختلاف بحسب الأقطار العربية-.
إن الحركة النسائية العربية التى قدمت الكثير للمرأة واستفادت من التطورات الدولية الحاصلة فى هذا الإطار؛ لا تزال بحاجة ملحة إلى بذل مجهودات جبارة أخرى؛ على طريق تحقيق المساواة -المطالبة بتطبيق بنود الاتفاقيات الدولية المرتبطة بهذا الشأن-؛ وبخاصة وأن الوضع العربى كارثى ويتطلب التدخل الفعال فى هذا الصدد.
والحقيقة أن اتخاذ تدابير حقيقية وفعالة على طريق تمكين المرأة فى الأقطار العربية هو مدخل مهم لمعالجة إشكالات ومعضلات سياسية واجتماعية واقتصادية.. كب
المصدر

No comments: