Saturday 31 May 2008

الروائية المصرية الدكتورة ريم بسيونى ترفض نغمة المرأة المقهورة


البشاير ـ سميرمحمود
الدكتورة الروائية ريم بسيونى تعكف حاليا على روايتها الرابعة بعد ان صدر لها خلا الاعوام الثلاثة الماضية ( الدكتورة هناء) و بائع الفستق ورائحة البحر.الدكتورة ريم مصرية تنتمي الى محافظة الالسكندرية التى غادرتها الى لندن حيث الدراسة بجامعة بريطانيا العريقة ومنها جامعة اكسفورد والتى القت فيها كلمة مهمة وكرمتها السيدة سوزان مبارك قرينة السيد رئيس الجمهورية ، ثم انتقلت بعدها للعمل بجامعة يوتا الامريكية وبالتحديد فى مركز دراسات الشرق الاوسط ومنذ عامين فقط انتقلت للعمل بجامعة جورج تاون استاذة للأدب وللغة ، وحول روايتها الأخيرة الدكتورة هناء تركناها تبوح فى فضفضة لا تخلو من الصراحة والجراءة المصرية رغم اغترابها عن مصر منذ أكثر من عشر سنوات.
ككاتبة كان من المتوقع مني اذا كنت اريد الشهرة و اذا كنت اريد ان تترجم اعمالي ان اكتب عن قضايا المرأة و حقوقها المغتصبة في العالم العربي و خاصا في مصر و ان اصور الرجل في صورة مغتصب الحقوق و الطاغية الذي يجب ان تتحرر المرأة من قيودة و لكن كانت لي رؤية مختلفة
اولا كنت اعرف من تجربتي الشخصية ان المرأة في مصر لا تعاني بالضرورة من الظلم و عدم المساواة مع الرجل و ان كثير من القضايا التي ربما تبدو للبعض كأنها قضايا حقوق مغتصبة للمراة هي في الحقيقة اختلاف ثقافي و منظور مختلف للامور.
و في روايتي الجديدة "الدكتورة هناء" اتكلم عن هذه المعاناه من قبل الرجل و المراة.
فبينما لا تستطيع المرأة احيانا السيطرة على امور حياتها الخاصة، لا يستطيع الرجل السيطرة على اي شيء.
و الدكتورة هناء هي استاذة جامعية في الاربعين من عمرها و رئيسة قسم اللغة الانجليزية في كلية الاداب في القاهرة و الرواية تحكي عن علاقتها بمن حولها كأمرأة متعلمة و من طبقة غنية و غير متزوجة.
تقيم الدكتورة هتاء علاقة مع احد طلابها الذي يبلغ من العمر الخامسة و العشرين و يأتي من بيئة فقيرة و مستوى اجتماعي مختلف.
و اريد ان اقول ان الطبقية في مجتمع كمصر تلعب دورا هاما جدا. فالمراة التي تنتمي للطبقة الارستقراطية في مصر تتحكم في الكثير من الامور مثلا و ربما هذا صحيح في الطبقات الفوق متوسطة و المتوسطة.
في رواية "الدكتورة هناء" تتوقع هناء ان يكون خالد الطالب و المعيد الذي يأتي من بيئة فقيرة تتوقع ان يكون من الرجال الطغاة و ان يكون مثال للرجل الشرقي الذي يتوقع من زوجته ان تكون عبدة و جارية. و هذا غير صحيح.
يدور بينهم هذا الحوار:
صمتت لثوان ثم قالت: أنت متدين و شرقي و مصري و تحلم وتتوقع. بماذا تحلم و ماذا تتوقع من المرأة؟
فاجأته بسؤالها. و بكلماتها الغريبة..مصري...شرقي..متدين و كأنه ينتمي لعالم لا تعرفه!
قال في هدوء: ماذا أتوقع من المرأة؟ شرقي؟ أتوقع أن تطيعني نهاراً و أطيعها ليلاً. أن ترتدي الزينة و الحرير، و تعبق البيت برائحة البخور، و تضع على المائدة خروفاً كل يوم. أن تعشقنى وتنظر إليّ في خشوع و خوف،.و تجلس في انتظاري، و أختار بينها و بين زوجاتي الأخريات وتموت فرحة لو اخترتها، و تبدأ فروض الطاعة و الولاء. و تنتظر دورها كل أسبوع في ترقب وخوف ألا ترضيني و أن أغضب عليها و أستبدلها بأخرى....
-انتظر لحظة..تسخر مني أليس كذلك؟ لقد سألتك سؤالاً.. لماذا لا تستطيع الإجابة عنه؟ ماذا تتوقع من المرأة، امرأتك أنت؟ مَدَّدَ رأسه على المقعد، ثم قال: القليل..أتوقع القليل. ما يتوقعه كل رجل.
-و ماذا يتوقع كل رجل؟..لا..ماذا تتوقع أنت
-أريد امرأة تفهمني، و تؤيدني و تأخذ بأزري و تدعمني. أريدها ذكية و متعلمة و مثقفة و هادئة ومطيعة و حنوناً. لا أريد من تتشاجر معي كل ساعة و لا من تتحداني كل يوم. فالرجل يا دكتورة في بلدنا كالجمل في الصحراء. يعاني من العطش و الجوع و الحمل الثقيل، و أهم من كل هذا يعاني من عدم القدرة على الوقوف. عليه أن يسير و يسير حتى لو أنهكه الطريق و الحر. حتى لو أنهكته المهانة و الذل. يحتاج عندما يعود إلى بيته أن يجد امرأة حنوناً تدفئه و لا تخنقه ولا تسيطر عليه و لا تتعالى عليه. أتفهمين يا دكتورة ما أقصده
خالد يلخص في كلماته مشاكل الرجل المصري و ايضا في البداية يسخر من الافكار المتحاملة على الشرقي المتدين.
فيجيب سؤال الدكتورة هناء بكلمات مليئة بالسخرية و الايحاء عندما يقول: ثم بعد ذلك يتكلم عن معاناة الرجل المصري العادي و الحمل الثقيل على كتفيه و يشبه الرجل المصري بالجمل في الصحراء. فالرجل مسؤل عن الاسرة و العائلة في كل الظروف. و العطش هنا هو الفقر فالرجل يجب ان يسير وسط الفقر و المشاكل. و لهذا السبب يريد الرجل امرأة تؤيده و لا تواجهه و تتشاجر معه طوال الوقت.
-أريد امرأة تفهمني، و تؤيدني و تأخذ بأزري و تدعمني. أريدها ذكية و متعلمة و مثقفة و هادئة ومطيعة و حنوناً. لا أريد من تتشاجر معي كل ساعة و لا من تتحداني كل يوم. فالرجل يا دكتورة في بلدنا كالجمل في الصحراء. يعاني من العطش و الجوع و الحمل الثقيل، و أهم من كل هذا يعاني من عدم القدرة على الوقوف. عليه أن يسير و يسير حتى لو أنهكه الطريق و الحر. حتى لو أنهكته المهانة و الذل. يحتاج عندما يعود إلى بيته أن يجد امرأة حنوناً تدفئه و لا تخنقه ولا تسيطر عليه و لا تتعالى عليه. أتفهمين يا دكتورة ما أقصده
الدين و المرأة
في الحقيقة بعض الكتاب و المثقفين ينظرون نظرة سطحية للدين و لا يتعمقون في تداعيات التدين و الدين كرمز لكثير من الاشياء. في رواية الدكتورة هناء الدين وسيلة المرأة في مصر للحصول على حقوقها و ليس عائقا للمرأة.
فمثلا اخت الدكتورة هناء و اسمها ليلى تلجأ الى الدين لتحصل على الاحترام الذي افتقدته من زوجها و مجتمعها فتصبح الحاجة ليلي و يبدأ الجميع الرجال و النساء في احترامها.
و تعلق هناء على تغير اختها و على تغير المجتمع المصري و على وضع المرأة من وجهة نظرها قائلة:
خرجت هناء و شعورها بالغربة يزداد كل يوم، و معرفتها بمصر تقل يوماً عن يوم. و كتب الأدب قد تخاذلت كأطفال الشوارع، و الفقر يعم كل شيء، و المرأة تبحث عن قوتها في اتجاه مختلف و دائماً تبتكر، و تبحث و في عالم يحكمه الرجال، كان على المرأة الابتكار كل يوم. وصارت هناء تفهم الآن لماذا ابتكرت شهرزاد قصة جديدة كل يوم، و المرأة الشرقية بارعة في الابتكار. كل يوم شيئاً جديداً! و دوراً جديداً! و كل حياتها محاطة برجل و مربوطة برجل ومعتمدة على رجل. و رقبتها في يد رجل..إما أن يسحقها بين قدميه أو يرفعها إلى أرفع المنازل، و يجلسها على العرش بجانبه. و كانت المرأة بين يديه..يدي رجل..إما أن يعتقها أو يبقيها أسيرة إلى أبد العمر. و الدين أصبح سلاحاً جديداً في يدها، و قوة جديدة تشع من قلبها. و تثير الرهبة في الرجل، و أحيانا تكبحه، و أحيانا أخرى ترفع منزلتها إلى منزلة الملوك. ما أَشْقَى المرأة وسط الفقر و الفساد و الإحباط و الخوف. ما أشقاها! و كانت تسأم كل هذا. و تتمنى أن تنام في سلام. و أن تصحو لتجد شهرزاد قد توقفت عن الحكي.. و المرأة قد توقفت عن الابتكار..و...وماذا أيضا؟
و العمر لم يمر..و الرجال لم تمسك بزمام الأمور، و التاريخ يكتب بيد النساء، و المرأة تسير في ثقة و خطى ثابتة، و لا تعشق و لا تعطي و لا تخاف من جسد خائن و..
فلتنم في سلام. فلتنم في سلام كما كانت تنام منذ أربعين عاماً. و كأن خالداً لم يولد بعد. وإرادتها قوية، و عمرها في يدها، و عملها المستمر ناجح و مثمر. و هي الآن قائدة في الجامعة. و ما أجمل القيادة و السلطة!
هناء تعلق على حال مصر و خاصا الفقر الذي يسود المجتمع. و تشبه المرأة المصرية بشهرزاد التي كانت تحتاج الى ان تبتكر قصة كل يوم حتى لا يقتلها السلطان. فالمراة في مصر تبتكر و تبحث عن دور جديد كل يوم حتى تحصل على القوة التي ربما تفتقدها. و هنا هي تتكلم عن المرأة الشرقية و ربما المرأة في العالم كله.
و ايضا تعلق على علاقة المرأة بالرجل. فالمراة دائما مرتبطة برجل اخ او اب او زوج او عم او ابن. و حياتها تدور حول رجل. و الدين في هذه الحالة يرفع من شأن المراة يف عيون الرجل. فتصبح حاجة و ام ..الخ.
المرأة الانسان في كل الثقافا
انا لا اريد ان اكون محكومة بالكتابة عن المراة في مصر او في العالم العربي او في امريكا فالكاتب اولا و اخيرا يجب ان يكتب قصة انسانية تعبر عن مشاعر حياة الانسان يف كل العصور و الحضارات.
و انا اعتقد ان الادب العالمي يتسم بهذا.
و اتمنى ان تكون رواياتي مرأه تعكس حياة الفرد في اي مكان و زمان. و في رواية الدكتورة هناء بالذات كنت اريد ان اتكلم عن المراة و مشاعرها و معانتها و الصراع الدائم لتحقيق المجاح على المستوي الشخصي و العملي و هناك لحظات في حياة اي انسان لا يكون فيها سوى فرد و لا ينتمي الى اي ثقافة او وطن.
فعندما تكون هناء مريضة في مستشفى تنام على سرير ضيق وحيدة تشعر انها فقط أمراة و ليست مصرية على وجه التحديد و استاذة جامعية بالذات و لا سيدة غنية تسكن في حي راقي بالقاهرة.
فالالام و المرض و المعاناة لا فرق بين احد.
و كنت اريد ان اقول هذا صراحة في الرواية.
فعندما اضطرت هناء للذهاب الى المستشفى لاستئصال الرحم شعرت بالام امرأة مريضة و دار بداخلها هذه الكلام:
و من أجل إنقاذها كان عليهم أن يستأصلوا الرحم. لم تسأل و لم تستفسر. كان جسدها بين يدي غريبة لا تعرفها، و ليس في مقدورها الحكم على شيء أي شيء. و ما أثَّر في نفسها حقًّا هو أحساسها بأن الكثير يتحكم فيها في هذه اللحظة، و أن الكثير يسيطر عليها. الإحساس بالضعف الجسدي. كان كبيراً و رهيباً.
و ما أثَّر فيها حقًّا هو كونها امرأة يستأصلون منها جزءاً من أنوثتها في حرفية و دون استشارة. و كانت مجرد جسد على سرير ضيِّق..ضيِّق إلى أبعد الحدود. جسد ضعيف أنهكه السير. كانت مجرد جسد مُستلقٍ على سرير محايد ليس به أي خصوصية.
كل شيء كان محايداً، السرير، الملاءة، الجسد، الوجوه. لم يختصها أحد بالكره أو بالحب. كانت لا شيء.
كانت جسداً على سرير محايد لا أكثر.
لم تكن الدكتورة هناء..أو هناء.
كانت امرأة على ملاءة بيضاء و سرير ضيق تنزف حتى الموت. امرأة مثلها مثل أم خالد وشيماء و صفاء و ليلي و لبنى و مايسة و الكثيرات. تحتها ملاءة بيضاء، و فوقها ملاءة بيضاء. امراة لا أكثر.
و عندما كانت بين أحضانه كانت امرأة لا أكثر.
و عندما كانت تريده كانت امرأة لا أكثر
و عندما بلغت الأربعين كانت امرأة لا أكثر.
و عندما فقدت عذريتها كانت امرأة لا أكثر.
و كان ضعفها يدفع بها إلى الهاوية، و جسدها يدفع بها إلى الموت و الدماء و التلف.
شعرت بيد تضرب على خِّدها في رفق. يد طبيب..فتحت عينيها. قال في محايدة و لا مبالاة: هل أنت بخير؟
بعد أيام ربما أو أسابيع ستعود إلى البيت و قطعة منها قد ذهبت إلى الأبد..ستعود إلى ظلام الحجرة و صوت قطرات المياه الآتي من الحمام، الصوت الرتيب الممل.
ستعود إلى المطبخ القديم و رائحة التاريخ و الموت و الوحدة و النافذة الطويلة و النغمات التي تتناثر حولها من الخارج..نغمات حزينة و كئيبة. ستعود لتحارب أخاها، و تطلب منه مصاغ أمها..ستعود من جديد إلى الليالي الطويلة، و السرير المريح الفخم، و النجاح الساحق الذي يسحق كل شيء. أغمضت عينيها.
ألم رهيب في بطنها.
لا تريد أن ترى أحداً، و لن تخبر أحداً. لا نظرات شفقة و لا تَشَفِّيَ و لا ضعف و لا..
تنهدت و شعرت بالباب يفتح في بطء. كانت مغمضة العينين و كانت تعرف أنه هو. و كانت تشعر به و تعرف أنه سيأتي.
فركت أصابعها في عصبية كما تفعل عندما تشعر بتوتر هائل، و قالت في قوة و هي تفتح عينيها في بطء: خالد!
ابتسم. و لم تكن تعرف ماذا تستشف من الابتسامة..شفقة، تشفٍّ، خجل، حزن..لا تدري.
قالت في سخرية ممزوجة بمرارة: ذنبك يا خالد..ظلمتك إذن، و هذا جزائي..هل أعترف بكل ذنوبي الآن و أطلب المغفرة؟
جلس على المقعد بجانب سريرها، و بدأت أصابعه في تلقائية تداعب ذراعها في دوائر حول الأنابيب البارزة منه، و همس: كل ذنوبك..اطلبي المغفرة من أجل كل ذنوبك..كلها..بالطبع جئت أتشفَّى منك، و أراك تطلبين المغفرة..آه دكتورة هناء..لماذا فعلت بي هذا؟
قالت في قوة و ألم: مللتك و مللت كل قيودك و صراعاتك و غرورك. قال في سخرية: من يتكلم عن الغرور؟..يا دكتورة، الغرور كلمة اخترعوها لوصفك. قالت في مرارة: اذهب يا خالد..لا أريد أن أراك الآن..أعتقد أن الطلاق سيكون في هدوء و بلا مشاكل.
قام في هدوء.
لم تكن تتوقع هذا. أدار وجهه عنها..ثم فتح النافذة، وضع يديه في جيبيه و أطل برأسه من النافذة. ثم ردَّد: في هدوء و بلا مشاكل.
لم تكن ترى سوي ظهره، و لم تكن تعرف بما يشعر به، و كانت تود لو دفعت عمرها لتعرف بما يشعر به الآن. فضول طاغٍ سيطر عليها! ساد الصمت برهة، ثم قالت في تحدٍّ: تحبني؟
همس و هو يثبت عينيه على منور المستشفى المظلم: أعشقك. أغمضت عينيها من جديد..شعرت بعَبَراتٍ في عينيها لا تتساقط..أبداً لا تتساقط. لم ينطق و لم تنطق.
مشاكل المجتمع المصري
الفساد و الفقر في المجتمع المصري
من يكتب التاريخ؟ و الرواية كما قلت لا تتلكم فقط عن المرأة و لكن عن الرجل ايضا و عن مشاكل المجمتع المصري و التي تتلخص في الرواية في الفساد في الجامعة و عدم الولاء للحكومة و الفقر.
و بينما تتمنى هناء ان تسيطر على مصيرها و تمسك بالقلم لتكت تاريخها كأمرأة اسم الرواية. نجد ان الرجل ايضا لا يملك القدرة على كتابة التاريخ او اتخاذ القرار فحياته هو ايضا محاطة بالكثير من الضغوط و المسؤليات.
فخالد يعلق على حياته قائلا:
نظر إلى الهرم الأكبر من بعيد.
و هذا يكفي. دوماً الأهرام تشعره بالثقة و الراحة.
آه من هذا الزمن الذي نعيش فيه و ما يفعله بالبشر!
هل أخطأ لأنه أراد أن يأخذ القيادة..أن ينزع القلم و يكتب هو؟ و هل عليه أن يبقى متفرجاً إلى الأبد؟ مَنْ في مصر يكتب و يمسك بالقلم؟ من يتحكم في أي شيء و كل شيء. و كان كغيره قد اعتاد الاستسلام لذرات الرمال الملوثة تعبث بعينيه كيفما تشاء.
و كغيره لا يتدخل في ما لا يعنيه، و لا يحاول تغيير أي شيء. كان كغيره يستسلم لأصحاب القرار، و يترك الريح تأخذه، و تطيح به كما قال عبد الحليم!
على حسب الريح، ما يودي الريح، ما يودي الريح، ما يودي!
وياه أنا ماشي ماشي و لا بيدي!
و كانت جزءاً من مصريته..كانت العزيمة و الاستسلام و الصبر و العشق كلها جزءاً من مصريته.
و في وقت يعجز فيه عن أن يحرك يده ليزيح الغبار عن عينيه و عن بيئته و شارعه و جامعته وبلده..في وقت العجز التام و اليأس القديم قدم التاريخ..كان رجلاً يتمنى امرأة و يريد أن يكتب تاريخهما معاً! هل من العدل أن يستمر غيره في الإمساك بالقلم.؟
ما دامت حياته يشكّلها غيره. و ما دامت شخصيته يرسمها غيره و يعكسها غيره و ينتقدها غيره، و ما دامت حياته أصبحت محاطة بزجاج يحبسه و لا يستطيع لمسها، فقد أراد أن يسيطر على هذا القلم فقط. على سعادته الشخصية! فلم يعد هو سوي مصري يكتب عنه بعض الناس، و يطالب بعض الناس بحقوقه من على منبر ومنصة و عرش، و لا أحد يستمع إليه و لا أحد يعرفه.
أصبح مصريًّا يكتب الأخَرون أخطاءه، ويًُوَقَّع عليها هو دون أن يقرأ.
اعتاد منذ القدم الاستسلام و الهزيمة و اليأس و السخرية.
و لكن خالداً مختلف. خالد كان يريد أن يحقق أحلامه الشخصية على الأقل لو لم يستطع تحقيق أحلامه القومية!
كان خالد يريد امرأة واحدة، و كان صبوراً و متحدياً، و عنده جلد المصري القديم الذي بنى الأهرامات ليمجد غيره، و حمل الحجر الثقيل لسنين من أجل لقمة العيش و الحياه البسيطة.
كان يتمنى القليل و لا يندم. و لماذا يندم؟!
الآن عليه العودة إلى البيت. نعم عليه العودة إلى البيت.
خالد شاب مصري يشعر بالعجز عن تغيير الاوضاع من حوله و لكنه ابدا لا يستسلم. و بينما هو لا يستطيع تغيير شيء من حوله يحاول ان يسيطر على علاقته باستاذته هناء. و يصبح هناك صراع صامت بين الاستاذة و تلميذها. في هذا المقطع من الرواية خالد يلخص مشاعر الكثير من المصريين. عندما يقول:
فلم يعد هو سوي مصري يكتب عنه بعض الناس، و يطالب بعض الناس بحقوقه من على منبر ومنصة و عرش، و لا أحد يستمع إليه و لا أحد يعرفه. أصبح مصريًّا يكتب الأخَرون أخطاءه، ويًُوَقَّع عليها هو دون أن يقرأ
المصدر

No comments: