Tuesday 20 May 2008

خرجت العذراء من الخدر. ارتدت كعباً من فولاذ


نادين البدير
الاحد 11 أيار (مايو) 2008


- هل جربت يوماً أن تلتف بين طيات أمتار حالكة؟

- هل وضعت سدادة في حلقك تمنعك عن الحكي؟ هل جربت أن تحكي يوماً؟

- هل مشيت مطأطئاً الرأس؟

- لم تجرب؟ اتركني إذاً أعارك حتى أنزع الليل من حولي..

رجال كثيرون شهقوا ولم يزفروا عند قراءة إعلاني السابق "لم أعد أخجل" شمروا عن ساعديهم وكتبوا مقالات في عدد من الصحف...أرسلوا لي دعوات بالهداية ... بعضهم قال اصبري، ففي الجنة ستجلسين مع أي شخص تريدين. لا حجاب ولا كتمان للصوت ولا إخماد للضحكات...ختم رسالته بـسؤاله:

فهل أنت صابرة؟

- هل تقصد صابرة على الصوم عن الضحك والكلام؟ أم عن مجالسة الرجال؟؟

آخر أكد لي أنه لا حاجة لاستعجالي على التعري في الدنيا فسأجد ما لذ وطاب من الرجال في الجنة، أيضا إن صبرت...

أضحكتني عبارة "ما لذ وطاب من الرجال" ففيها اعتراف أن لي حقوقاً في الجنة كأصحاب الحور تماماً..

ما يعلمونه هم أن عدم الخجل والحياء من الأنوثة في هذا الوجود، يعني البحث عن رجال.أن الكشف عن الجسد؛ حامل واحد من أسرار هذا الكون؛ يعني البحث عن صيد من الذكور..

ما أعلمه أنا أن النقاب والعباءة صارا يستخدمان في الدعارة والإرهاب أيضاً، أن غطاء الشعر صار حيلة كثيرات لكسب أكبر قدر من تقدير مجتمع لا تهمه سوى القشور.. غطاء للشعر وكافة أنواع المساحيق ولبس مشدود على الجسد...المهم إخفاء الشعر الملعون..

ما أعلمه أن أجزائي ليست ملعونة لأخفيها...

**

رجال كثيرون أزعجهم وقع كعب حذائي العالي وأنا أقرع به بين سطور مقالي الأخير، أقض مضجعهم صوت جسدي وهو يسير، فمنذ زمن طويل ما عاد بإمكان صوته الدخول لآذانهم... منذ عقود اجتمعوا في محافلهم. عقدوا النية فخرجوا بفتوى نصها : كعب المرأة العالي مكروه...ضمنوا عندها أن الأحذية النسائية لم يعد لها صوت أو صدى..أن حركة المرأة لم تعد ضمن الحركات التي تملك تلك الظاهرة الفيزيائية المسماة بالصوت..

**

رجال كثيرون جندوا أنفسهم أوصياء على كل امرأة تنتمي لعروبتهم أو ديانتهم أو وطنهم فما أن أعلنت أنها ما عادت تستحي من جسدها حتى أعلنوا "كيف نتركها تتمرد وتعلن العصيان؟ كيف نتركها تصف دماء النسوان"..

حياء المرأة دليل طاعتها المطلقة..

**

- هل جربت يوماً أن تكون متهماً بالجنون لأن تكوينك البيولوجي يقول أنك تحمل أعضاء أنثوية؟

ربطوا عدم الخجل بالدين فوراً.. هم محاطون دائماً بقواعد الفكر الديني التي تكبل أدمغتهم، لكن من العار أن أحيا الألفية الثالثة وأستفتي في ملبسي..

إن النجاح الأكبر الذي يسجّل للفكر التقليدي المنتشر اليوم هو طمسه لعقل المرأة، فالنساء صرن بحاجة إلى محاضرة لعائض القرني أو سلمان العودة أو عمرو خالد، حتى يتأكدن أنهن يسرن في الحياة بطريقة صحيحة.. كيف وصلت المرأة لأن تفكر بأن عمرو خالد يحمل لها الحلول.. لا أستطيع أن أصدق أن امرأة بالغة ناضجة ومثقفة في كثير من الأحيان لا تملك عقلاً يعمل ليقدم لها حلاً..

أم أنها تنتظر من أولئك أن يقولوا لها كما قال قارئ مقالي: اصبري فكل ما تشتهيه في الجنة..

شاهدت برنامجاً على إحدى الفضائيات.. ملتح ومذيع واتصال من إحدى المنخنقات..

- يا شيخ، هل يجوز ربط غطوة الوجه خلف الرأس، أم أنها فتنة وعلي أن أغير طريقة إحكام الغطوة بدلاً من عقدها؟؟

لحظة تاريخية تلك التي انتكس بها حال العربيات.. لحظة اجتمعت بها قوى سياسية ودينية فكانت المرأة إحدى الضحايا.. القوية التي حرقت العباءة بالأمس، تستجدي الرجل ليبارك لها ظلمات تكبل دماغها وجسدها..

**

قالوا أني أدعو النساء لنزع الحياء والخجل، رغم أنهما صفتين أنثويتين جاذبتين.. بالفعل أنا أدعو النساء لنزع الخجل وبرقع الحياء، لأن ما من شيء خلفنا للوراء سوى هاتين الصفتين القبيحتين..

كنت بين الحاضرات أثناء إلقاء الممثلة الأمريكية الشهيرة جاين فوندا كلمتها في مؤتمر الأدوار القيادية للمرأة المنعقد في دبي مارس الماضي. كان من ضمن ما قالته في خطابها أن المرأة الخليجية قد وصلت لمناصب جريئة لكنها لا تزال تخفي وجهها بكفيها فجأة وهي تتحدث على استحياء.

حتى جاين فوندا شعرت بأن المرأة هنا تخجل من المجهول.. مناصب جريئة وجسد لا يتجرأ على مقاومة الأنساق الخاطئة..

لا أدري إن كانت ممثلة هوليوود جاين تعلم أن إخفاء الوجه هو تنفيذاً في كثير من الأحيان لنسق ثقافي محبب غرس في الفتيات، قاعدة (كالعذراء في خدرها).. أتمنى أن أعرف أصل اختراع هذه القاعدة.. خاصة وأنه ليس هناك ما يقابلها في التذكير فثقافتنا لا تتضمن (البكر في خدره)..وإن كان الخجل دليل أنوثة، فهل الوقاحة وقلة الحياء دليل رجولة؟

أتمنى أيضاً أن أعرف ماذا فعلت العذراء لتخجل في خدرها.. أي ذنب صنعته لتقبع في خدرها بحياء من فعلتها المشينة.. المنطقي أن نقول (كالمجرم في خدره) (كالقاتلة في مخبئها) لا العذراء التي لم يمسسها أحد..

لماذا خجلت العذراء؟

وماذا تفعل روحها اليوم؟ أهي غاضبة؟ هل ستعود لتنتقم من سجانها؟؟

أشعر بها في بعض الأحيان، بصوتها يصدح عالياً في أرجاء رأسي، أعلم أنها من قديم الماضي، لعلها جاءت توقظني كي لا أتقوقع مثلها، كي لا أهمس مثلها، لعله صوت أحد النسوة اللواتي أفهمنني أن احمرار وجهي دليل على عذريتي..دليل على طهارتي...

إن الخجل الذي يدفع بالبصر للتعلق بالأرض والوجنتين إلى الاحمرار كلما قابلت صاحبتهما أحد يعني أنها تعاني من أزمة ثقة بالذات وخوف من الآخرين، هو خلل نفسي ونتيجة طبيعية لتراكمات التنشئة المختلة في بعض الأحيان، ثم كيف يمكن تحقيق التوازن بين الخجل والحياء وبين العمل جنباً إلى جنب الرجل الذي يفاخر بعدم خجله؟

إن ملازمة عيني المرأة للأرض إشارة مباشرة لذوي النوايا الشريرة على أنها ضعيفة، وأنها لقمة سائغة سهل أكلها..

- ارفعي عينيك قليلاً. حدقي به ولا تخشي أو تخجلي، هذه وسيلتك لحماية نفسك من غدر الغرباء، فالأشرار يبحثون عن الضعفاء ولا يأبهون للأقوياء.. كوني قوية.. وسّعي جفنيك وارفعي رأسك وتحدثي معه بصوت مرتفع..اجعليه يعلم أنك ند له. حتى تضمنين تحصين نفسك والدفاع عنها.

لم يعد الوقت وقت العذراء في خدرها بل المرأة في مقر عملها، في المدرسة والمستشفى، في الحقل، في البرلمان والوزارة... هل تتحمل أيا من هذه المواقع المهنية خجل العذراء في خدرها...هل تسمح لنا العولمة بالاحتفاظ بهذا المفهوم الذي لن تتمكن من تطبيقه امرأة اليوم.. وزيرة الدفاع الإسبانية تسير ومعها حملها أينما ذهبت..

لم أعد أخجل، لم أعد أستحي... فأنا لست شبحاً يسير دون أثر، أو يمسح الآثار خلفه..

لم أعد أشعر بخجل العذراء في خدرها...

لم يعد بصري معلقاً بتراب أصله موتى بل بنسمات الهواء الحية

- متى أخجل ، متى أستحي؟؟

حين أخون نفسي..

حين أفقد حريتي

حين أبحث عن معنى لكرامتي فأجدها قد سحقت، قد هزمت

حين أسلم مقاليد حكمي بإرادتي إلى شخص آخر

وقتها علي أن أخجل، أن تحمر وجنتي. ألذلك خجلت العذراء؟ هل كانت تلك فعلتها؟ خانت أنوثتها وطعنتها في الصميم.. فغرست عينيها بالأرض غرساً...

لن أشارك بمهرجان الخجل..

لن أشارك طالما أن رسائل أخرى لا زالت تصلني حتى اللحظة، لا تخجل من تأييد عدم خجلي لأنها هي كذلك ما عادت تخجل..

حجم كبير من الرجولة الطاغية قال لي أن الخجل من الجسد صفة لن يحبذها الرجل الحقيقي في سيدته..

حجم كبير من الأنوثة وصل بريدي الالكتروني يبدأ كلها بــ:

- وأنا لم أعد أخجل..

قلن أن المرأة هي الأصل، أنها مبعث الحياة..

قلن أنهن سينهين حالة حدادهن الأسود

لا أتمكن الآن من سماع نسوة عائلتي اللواتي علمنني حيلة النظر إلى الأرض، بدأت أصوات الأنوثة المعاصرة تحتل خلايا أدمغتي وتشوش على حيرة بقايا الطفولة، أحاول وأنا أكتب تمييز صوت خالتي أو ابنة خالي.. كلها تتلاشى، لا أتمكن سوى التفكير بأصوات جديدة لم تعد تخجل.

رسائل تحمل آهات الأنوثة المستعمرة، الأنوثة التي أفقدها الشر في هذا العالم أبسط حقوقها..

وبدلاً عن الشكر والتباهي أمام الخلق بعجيب الصنع.. يطلب منها الشر أن تجحده، تجحد الطبيعة وتداري أعضاءها..

Albdairnadine@hotmail.com

* كاتبة سعودية

المصدر

No comments: