Saturday 31 May 2008

جمال زائل وغباء مستديم


عالية عبد المجيد باناجة
"الجمال زائل والغباء إلى الأبد" هو كتاب لكاتبة أمريكية عملت قاضية في إحدى المحاكم العائلية الأمريكية، تتركز القضايا التي تقوم بالحكم فيها القاضية على الفصل بين النزاعات التي تكون المرأة طرفا فيها.
تنقل judge Judy وهو اسم القاضية والكاتبة صورة وضع بعض من النساء في الولايات المتحدة اللاتي وصفتهن بالغباء وضعف الشخصية، تسيطر على عقولهن بشكل كبير الاهتمام بأمور تافهة في الحياة مثل عمليات التجميل والاهتمام بالمظهر الخارجي لها وعدم الاهتمام بالجزء الداخلي الذي يحدث تغيرا يبقى لفترة أطول مثل الثقافة والتعليم.
تشكل هذه النوعية من النساء نسبة كبيرة من نساء العالم وليس فقط الولايات المتحدة، الواضح للجميع أن هاجس نسبة كبيرة من النساء في الدول الشرق أوسطية هو الاهتمام بالمظهر الخارجي لهن، من عمليات التجميل واستخدام المساحيق بشكل يغير الشكل الأصلي الذي وهبهن الله إياه، وينفقن الكثير من الأموال للوصول إلى حد يتعدى كثيرا الحد الذي يجب أن يقفن عنده، لأنه قد يصل إلى تشكيل خطر على حياتهن.
إن هذه التصرفات تعكس تدني المستوى الفكري والثقافي والتعليمي لهؤلاء النساء في المجتمعات، بذلك تصبح قيمة المرأة في جمالها فقط دون أي اعتبار لأي من العوامل الأخرى. الغريب في الأمر أن الصورة التي تؤخذ هذه الأيام في مجتمعاتنا عن النساء اللاتي يشغل التعليم والثقافة والعمل جزء كبير من تفكيرهن، تفيد المجتمع من وراء هذه الثقافة والتعليم بأنهن نساء يتشبهن بالرجال وليس لديهن أي متعة في الحياة.
يغيب عن هؤلاء النساء اللاتي يحملن هذا الفكر ويعتبرن أن المظهر الخارجي هو ما يقيمها ورأسمالها، أنهن إذا قمن بالحديث مع أي شخص يفقدن الاستفادة من المعلومة لأن محاولتها التأثير في الحديث بجمالها فإنها بذلك تثير"رغبة" لدى الطرف الآخر لها أثر قصير حسي يزول بزوال المؤثر، دون حدوث أي تأثير يبقى لزمن في عقل وفكر الطرف الآخر. يختلف الأمر إذا كان الحديث مع أي من النساء اللاتي يعتبرن أن ثقلهن هو الفكر الذي يحملن في عقولهن والثقافة التي تؤثر في الحديث، إن التأثير الذي يقع على العقل والفكر من خلال الحديث يبقى كمعلومات مخزنة وجاهزة للاستخدام عند الحاجة، وبذلك تكون قد تركت أكبر الأثر عند الطرف الآخر يبقى لزمن طويل يذكر بهذا الحديث.
إن ابتعاد النساء عن ثقل عقولهم وثقافتهم بالشكل الصحيح يشكل خطرا وخسارة كبيرة للمجتمع، خطرا لأن هؤلاء النساء مسؤولات عن تربية جيل بأكمله مقبل إلى الحياة تشكل الفتيات نسبة كبيرة منه فبذلك إما أنها تتربى على موروثات فكرية خاطئة تبني ثقلها وحياتها باهتمامها بمظهرها الخارجي فقط بنسبة قد تصل إلى 75 في المائة، أو أنها قد تترك نهائيا لانشغال الأم بالاهتمام بمظهرها وترك أولادها دون أن يكون لهم أي دعم ثقافي وفكري تضمن من خلاله لهم الطريق صحيحا ليسلكوه لأن "فاقد الشيء لا يعطيه"، بذلك يكونوا عرضة لتقبل أي تأثيرات خارجية تبعدهم عن المسار الصحيح لحياة آمنة. تشكل خسارة عن طريق فقد المجتمع عنصرا أساسيا وهو الأم إن صلحت بذلك نكون قد أعددنا مجتمعا مثقفا متعلما وإن فسدت نكن من الخاسرين.
تحكم كثيرا من الدول الشرق أوسطية عادات وتقاليد وأديان تنادي جميعها بالمحافظة على النساء وعدم المتاجرة بمظهرهن الخارجي بالشكل المتعارف عليه الآن. الذي نراه هو تنافس الإعلام في إبراز مفاتن المرأة بطريقة تقلل من قيمتها التي وهبها الله في جميع الأديان، وهنا لا نضع اللوم على الإعلام فإن لم يجد الإعلام في الساحة من ترضى بالظهور لإبراز مفاتنها التي وهبها الله لن يركز ويهتم بإبرازها فالإعلام هو انعكاس لواقع المجتمع.
إن ظهور الشخصيات العالمية من النساء اللاتي أحدثن تغييرا في مجتمعاتهن عن طريق وسائل الإعلام أجبرت العالم لأن ينصت إليهم عند ظهورهن على الشاشة ولم يطلق العنان للعين لكي تسيطر على عقولهن وأجسادهن. لم يتجرأ الإعلام على وزيرة الخارجية الأمريكية والإسرائيلية لإظهار جمالهما ولم يطلب من رئيسة الوزراء الألمانية أن تبرز مفاتنها لإقناع الآخرين بوجهة نظرها, ولم أر أي صورة غير لائقة تبرز مفاتن أي من هؤلاء وغيرهن من النساء اللاتي أحدثن تغييرا في مجتمعاتهن، وكان لهن الدور الريادي في إعطاء المرأة مكانة اجتماعية في التاريخ.
يرجع ذلك لأنهن يخاطبن العقول وليس الأجساد، فلا يزول التأثير بزوال المؤثر، تبقى هؤلاء النساء على مر العصور يخط لهن التاريخ ذكرى أعمالهن والتغيرات التي أحدثتها في العالم وتتناقل سيرهن في تاريخ جميع الدول.
إن ما يقدم وما يعرض على الآخرين هو الذي يشاهد ويتعامل الأفراد على أساسه، تقدم النساء في جميع أنحاء العالم الطريقة التي يردن أن يتعاملن بها، فإن كان المعروض هو الإنجازات المفيدة ومخاطبة العقل فتكون النتيجة الاحترام والتقدير، أما إذا كان المعروض هو الإثارة فمن الطبيعي دائما أن تكون نتيجة النظر لمنظر جميل ومثير هي "الرغبة".
تفهمت كثير من النساء في مجتمعاتنا معنى التغيير والانفتاح بطريقة خاطئة فليس معناه أن تنطلق المرأة وتضع أكبر كمية من المساحيق التي تغطي بها المستوى المتدني من الثقافة والفكر والخروج للعالم عن طريق الإعلام لإثبات أن التغيير حاصل في مجتمعاتنا.
التغيير هو أن تخرج المرأة وتثبت للعالم بالكلمات التي تقولها وينصت إليها الآخرون ويسيطر العقل على جميع الأعضاء الأخرى في الجسد ويشد اهتمامهم بالإنصات لما تقول إن المرأة في مجتمعاتنا تولت الكثير من المناصب وأفضلها بعقلها وبفكرها وليس بجمالها ومفاتنها.
وقتها ستجد جميع الدول تقف جنبا إلى جنب مع هؤلاء النساء وتساعدهن وتتيح لهن مجالات عمل لكي يعملن فيها بعقولهن وليس بجمالهن، وأخيرا يتغير مسار واهتمامات الإعلام بإبراز صورة مشرفة للعالم تعكس المستوى الثقافي والفكري الذي تحمله النساء في المجتمعات.



المصدر

No comments: