Tuesday 20 May 2008

بحيرة فـي البحر.. قراءة فـي أقدام النساء


ميساء قرعان

المكان والزمان، شاطئ العقبة ليلا وبعد يوم عمل شاق وممتع في آن معا، الحضور،مجموعة من النساء الناشطات والمتخصصات في العمل الاجتماعي ساقهن العمل إلى شاطئ البحر،أعمار متفاوتة وظروف مختلفة أيضا، كنت أصغر الحضور على البحر عمرا أما الأصغر مني في المجموعة فقد آثرت أن لا تغادر غرفتها في الفندق، وكنت قد قلت لها قبيل الذهاب إلى البحر وفي محاولة لإقناعها : بأنها قد تفوقت عليّ في منسوب الاكتئاب لكن دون جدوى...

ذكرت بأن الأعمار متفاوتة وقد كان لهذا الاختلاف صورته التي رسمت على رمال الشاطئ، كانت أقدام من تجاوزن الخمسين فوق الرمال يلامسنها ولا يعبثن بها، كنت أراقب حركاتهن وأقارن نفسي بهن وللمرة الأولى شعرت بمزايا تقدم المرأة في العمر، أو هكذا أشعرتني هؤلاء، هنالك استقرار نفسي من نوع خاص، وهنالك طمأنينة تميزهن - اللهم لا حسد-،ففي عمر ''بين بين''، وفي مرحلة يصبح العطاء فيها ليس محبذا وحسب بل يكاد يكون واجبا كما أن المسئوليات في حالة تنامي لا متناهي وليس هنالك فرصة للعبث بعقارب الزمن لأعود بها عشر سنوات إلى الوراء وأعود عبئا على غيري أو كي أهنأ بساعات تحرر وانفلات من برمجة الوقت قد تكون تلك الطمأنينة ضالتي.

بحسب قول إحداهن في ظلمة الليل ونور الأمواج بدت جميع الأقدام بلون واحد تساوت فيه النساء بغض النظر عن لون البشرة الحقيقي، بأقدامهن عبرن عن حالاتهن النفسية ورسمن فيها خطوط حياتهن العريضة، كنت حينها بخلاف ما هو متعارف عليه أقرأ القدم- قراءة تحليلية نفسية- بدلا من قراءة الكف، في لحظة ما وقد تفحصت تفاصيل تحركات الأقدام لكل المجموعة آخذه بعين الاعتبار المرحلة العمرية والقليل مما لدي من معلومات سابقة عن بعضهن حاولت التثبت من صحة ما قرأت، وسألت إحداهن وأنا أراقب البحيرة التي صنعتها أو انتزعتها من البحر تحت قدميها وهي ممن تربطني بها علاقة ألفة وتقبل أكثر منها علاقة معرفة : هل أنت منفصلة؟ قالت:نعم وكيف عرفت؟ أجبت: من هذه البحيرة التي صنعتها بقدميك، قالت وقد بدت عليها الدهشة والفضول في سماع المزيد، وماذا أيضا؟ أجبتها: كان انفصالك سلميا، هادئا، ولم يترك آثارا، ولست نادمة.

وقد أيدت ما قلته بشدة وروت لي تفاصيل انفصالها عن زوجها، انفصال من نوع خاص وحضاري ويندر أن يتكرر في مجتمعاتنا التي لا يعني الانفصال فيها لأي زوجين سوى المزيد من التواصل الانتقامي المؤبد، باركت لها انفصالها ذاك وليس لي إلا أن أحييها وأحيي كل زوج حضاري يحافظ على علاقة صداقة بعدما يصل الطرفان إلى قناعة بعدم إمكانية استمرار العلاقة تحت مسمى زواج.

سيدة أخرى كانت ترسم بقدميها خطين متوازيين ويلتقيان مخالفة بذلك قوانين الرياضيات، تكمل الخط وتعود من حيث ابتدأت، قلت لها وقد طلبت قراءة قدميها: لست تعانين مما يطلق عليه أزمة منتصف العمر أما استقرار حياتك الزوجية فقد كان لك الفضل الأكبر فيه، عقلانية وعالية القدرة على الاحتمال والتغيير الإيجابي.

أما تلك التي دفنت قدميها في الرمال وعلى الرغم من معرفتي بها منذ سنوات خلت إلا أنها بقيت لغز الشاطئ كان من حق أولئك النسوة أن يسألنني عني، وأن يطلبن مني قراءة حركات قدمي، قلت لهن: ليس لدي ما أخفيه أو أحاول تجميله، انظرن وستجدن أن حركات قدمي عصية على القراءة، حفرت بحيرة وقمت بردمها، رسمت خطوط متقاطعة حينا وحينا آخر متوازية، ورسمت دائرة وشيدت جبلا، لكن لماذا وماذا تعني لست أدري، ما أعيه هو أنني مجبولة من صراع حريصة على أن لا أعمد إلى تصدير آثاره لمن حولي وإن كان الهدوء هو صفتي الظاهرية الثابتة....


المصدر

No comments: