Saturday 31 May 2008

الكاتبة نوال السيهاتي.. قلم بحاجة إلى الحرية


ميدل ايست اونلاين - بقلم رائد قاسم
كاتب جملة من المقالات التي طرحت بعض المواضيع المحببة لحملة الفكر الديني التقليدي السائد فتاة منحدرة من أكثر المجتمعات الخليجية تدينا وولاء للرموز الدينية وتشبعا بالفكر والنسق الديني السائد.
كم هو قلم جميل وشفاف، مقالاتها هادئة ورزينة، يصعب اكتشاف أن الروح المتحكمة به أنثوية ومن مجتمع تولتاري متصلب! ولكن هذه هي الحقيقة ، فكاتب جملة من المقالات التي طرحت بعض المواضيع المحببة لحملة الفكر الديني التقليدي السائد فتاة منحدرة من أكثر المجتمعات الخليجية تدينا وولاء للرموز الدينية وتشبعا بالفكر والنسق الديني السائد.
لقد غال التقليديون بإطراء جهودها في نشر الفكر الإسلامي الأصيل كعادتهم ، إنني من المتابعين لمقالات الكاتبة نوال منذ بدايتها ، وأكثر ما يذهلني هي اللهجة البعيدة عن اللمسات الأنثوية التي تميل عادة إلى الضعف والاستكانة لتحل محلها القوة والوثوق والندية.
بيد أن قلم الكاتبة ذكرني بامرأة نشرت معاناتها في مجلة الأسرة السلفية، حيث اشتكت من استعباد أسرتها لها وكيف أنها لا تجد وقتا حتى للاهتمام بشعرها وجمالها وملابسها وخصوصيتها الأنثوية ، فكان الجواب من امرأة تنتمي لمؤسسة الدعوة النسائية السلفية، حيث قالت لها إن وظيفتها الحقيقية هي خدمة أسرتها، وإن الاهتمام بالجمال والمظهر ومتابعة التلفزيون وقضاء الأوقات الخاصة من الأشياء البعيدة عن الدين والتدين! وان عليها الاقتداء بالسيدة فاطمة الزهراء والسيدة عائشة، وان عليها أن تحمد الله لكونها متزوجة ولديها أطفال أصحاء ، وان عمل امرأة فتنة وخروجها أمر غير مقبول، وان عليها أن تتبع ما يقوله لها رجال الدين، فهم الاخبر بما ينفعها في الدين والدنيا والآخرة! .
إن الكاتبة نوال لا تشد عن هذا المسلك الديني الحديدي، بيد إنها بطبيعة الحال من أتباع السلفية الشيعية الشائعة في مجتمعنا المتدين حتى النخاع! إنني أحيانا أقف مذهولا حائرا في ما تكتبه الأخت الكريمة ، فبينما يعين الرئيس الفرنسي شركوزي نصف أعضاء حكومته من النساء تطرح الأخت نوال ( ويصفق لها الإخوة التقليديون بالطبع) موضوعا خطيرا ومهما في بلادنا المتقدمة جدا والمتحضرة لأبعد الحدود ، والتي انتهت كافة مشاكلها وإشكالاتها ومعاناتها لتبقى جملة من القضايا المهمة والتي يجب أن تحل الآن! فكان الموضوع مدار البحث هو: هل الأفضل أن تغطي المرأة وجهها أم تغطيه بتلك القطعة من القماش الأسود؟!
رئيسة وزراء فللندا تقول إن ميزانية هاتف النوكيا الذي تستخدمه الكاتبة نوال وغيرها من الدينيين تبلغ ميزانيتها كافة ميزانيات الدول العربية مجتمعة! والشعب الألماني انتخب قبل سنة امرأة لتكون أول مستشارة لألمانيا، أم الإخوة التقليديين ومنهم الأخت الكاتبة فإنها تطرح أيها أفضل أن تغطي المرأة وجهها أم لا؟
طبعا ستقولين يا سيدتي إنهم كفار وأصحاب منهج غير سماوي، ولم ولن نعبئ بما يفعلون أو يقولون! فما بالك بالنساء اللاتي امسكن بالمناصب الرفيعة في بعض الدول العربية والإسلامية ومنها البحرين والكويت والإمارات واندونيسيا وبنغلادش؟
ما بالك بتلك المرأة التي أدارت جلسات الجمعية العامة للام المتحدة؟ اوليست امرأة مسلمة؟ لم تمنعها انوثثها وعروبتها ودينها وحجابها من الجلوس إلى جانب الرجال والمشاركة في مناقشة قضايا العالم وهمومه؟ لربما تقولين يا سيدتي إنهن لسن من أتباع مذهبنا الحق ، ولسن متدينات وبالتالي فنحن لسن ملزمات بما يقولن ويفعلن ، فما بالك بالنساء الإيرانيات اللاتي يحكمهن مرجع ديني؟ ومعظم المرجعيات اللاتي تدينين لها بالولاء والسمع والطاعة تحكم الشعب الإيراني بسلطة الفتوى والمرجعية والتقليد، جميعنا ذهبنا إلى إيران ورأينا المرأة الإيرانية المحجبة وهي تعمل إلى جانب الرجل في المؤسسات الحكومية والخاصة ، وفي الأسواق المفتوحة والمغلقة،، رأيناها في الفضائيات وهي تقود السيارة وتمارس الرياضة وتلعب كرة القدم وتحلق عاليا في الفضاء بواسطة الطائرة الشراعية وتتسلق الجبال!
وما بالك بنيف من فتياتنا اللاتي أصبحن مذيعات يراهن القاصي والداني على الشاشة الصغيرة
عوضا من أن تطرحي موضوعا مهما وحيويا أظنه: كيف يمكن تمارس المرأة المسلمة حقوقها وحريتها دون أن تخالف أحكام الشريعة والفقه، تقومين بطرح هذا الموضوع الهامشي من وجهة نظري، ثم تلحقين به موضوع آخر وهو: أيها أفضل للمرأة،الصلاة في بيتها أو في المسجد؟! والحمد لله لم يتدرج الموضع وما تبعه من حوار حول أيها أفضل للمرأة، أن تصلي في غرفة النوم أو في الصالون؟!!
نسيت الأخت الكاتبة أن المراجع الدينيين في اغلبهم لا ينصبون أنفسهم في الأصل والأساس حكاما على الناس ، فلا تقليد في أصول الدين أو العقائد أو في المستحبات والمكروهات والأفكار والنظريات أو في المواقف السياسة والآراء الاجتماعية ، إن الشيعة في سيرتهم الأولى يقلدون مرجعياتهم في فروع الدين العبادية التكليفية كالصلاة والصيام والحج والحيض والنفاس.
أما العمل بالمستحب والأفضل والمكروه وأيها أفضل فانه موكول لنظر المكلف لا المرجع الديني ، كما إن العديد من الأحكام الفقهية المتداولة يوكل تشخيصها للمكلف لا رجل الدين ، وإنما يصدر الأخير فتوى عامة تكون معيارا للتشخيص، فان أوكلت كل صغيرة وكبيرة لمرجع التقليد فإينها يا ترى عقولنا وضمائرها من حركة الحياة؟ اوليس العقل رسول من عند الله؟ أما الضمير فهو بمثابة الدين الباطن للإنسان ، فان عمل بما يخالف ضميره فقد خالف دينه، وبالتالي عصى الحق سبحانه وتعالى .
إن الدين يا سيدتي وجد من اجل أن يكون ضابطا وهاديا وحدا في حياة الإنسان، لا ليكون قيدا وغلا ومعوقا لكماله وتطوره ونبوغه، إلا إنني أرى أن الدين السائد ليس سوى كذلك للأسف الشديد.
إذا كنت يا سيدتي ستتقيدين بالآراء الفقهية التي يستنبطها الفقهاء وستعتبرينها الحق المطلق، فاني أرجوك أن تقفي متجردة من قناعاتك الدينية لساعة واحدة فقط ، وتقفي بضميرك وعقلك ووجدانك مع بعض الآراء وتعاينيها بصدق وشفافية، فهل يا ترى تستسيغين حبسك حتى الممات من قبل زوجك ولا تحركي ساكنا؟ هل تقبلين على نفسك أن لا تصومين أو تزكين أو تذهبين وتروحين إلا بإذنه؟ هل ترضين بان تخرجي من حلم الطفولة البريء لتجدي نفسك زوجة لرجل لم تألفيه؟
هل تقبلين على نفسك أن تكوني إنسانة بلا قوامة على نفسها طول العمر وموكولة في كل صغيرة وكبيرة إلى الفحل الحاكم بأمر الله؟ هل تقبلين على نفسك أن يرثك زوجك في منزلك، ولكن عندما يرحل من الدنيا فان البيت الذي بنيتماه بمالكما ودموعكما ليس لك حق فيه؟! هل تقبلين أن على نفسك أن تتسع دائرة المباحات لتجدي بنات جنسك إماء يبعن ويشترين باسم الدين؟
قرأت فتوى لأحد علماء العصر الفقهي الشيعي الأول يقول فيها انه يكره للمرأة أن تتعلم القراءة والكتابة، وقول الشعر وقراءة بعض سور القران كسورة يوسف! ولقد رأيت بأم عيني صورة لمرجع ديني كبير وهو يدخن السيجارة! فهل تقلدينه في ذلك يا ترى؟ وعندما سال عن سر ولعه بالتدخين أجاب: الدخان شر لا مفر منه! نعم إن هذا لا يخل بنزاهة رجل الدين، فهو إنسان في نهاية الأمر، له خصوصياته وآراءه وحياته الخاصة، وهواياته وميوله، ولكننا حولناه إلى ملاك ونائب للرب على أرضه، وذاك هو الخلل الرهيب الذي نعاني منه منذ قرون.
إذا كان كل ما نحن عليه أو معظمه موافقا للإرادة السماوية ومنهج أهل البيت (ع) كما يصرح بذلك التقليديون، فما بال نساءنا المتوحشات بحجاب العفة ترهيبا وترغيبا ، تعيث فيهن البطالة والعنوسة والخمود والجمود والبؤس؟ علاوة على ضعف الثقافة أو عدمها، والمشاكل النفسية والجنسية والعاطفية التي دمرت البقية الباقية من كياناتهن البائسة المحطمة؟
لم أجد امرأة ممن توشحن بالسواد وغطت وجهها وانزوت بعيدة لا تسمع ولا تشاهد ولا ترى طيف الرجال، وبالتالي حجبت عن نفسها الحياة الواسعة بمنافعها وبهائها وجمالها إبداع أو مساهمة في الإنتاج والتنمية في أي مجال أو مرفق أو صعيد؟ بل غالبيتهن العظمى نساء ليس لهن من حياتهن سوى دقات قلوب تعيسة ووجوه شاحبة، قد حطمها الاستبداد بتناقضاته الرهيبة وأمواجه العاتية .
ما زلت أتذكر كلمات ذلك الإعلامي الذي قال بأنه عرض إجراء لقاء تلفزيوني على مجموعة من الكاتبات في مجتمعنا، فلم تقبل أي منهن الظهور على الشاشة الصغيرة! أي دين هذا؟ أي تقاليد وأعراف وقيم هذه؟ هل هذا ما جاء به النبي الكريم محمد (ص) وضحى من اجله أهل بيته وصحابته؟
أخت نوال قلمك واعد ، ولكنه بحاجة إلى نور في ظلمات الفكر ، نور يضيء له الطريق حتى لا يحسبن السراب معين ينهل منه في سفره الطويل، فيسير نحو وهم سرمدي ، انه النور الذي يقذفه الله في قلب من يشاء فينير له دروب رحلته نحو شاطئ الإيمان والفضيلة .. انه نور الحرية.
المصدر

No comments: